المرأة توقفه في السكة من سكك المدينة ، ولقد كان يقول لأخ لأنس صغير : يا أبا عمير ، ما فعل النّغير (١).
ولقد كان يكلّم الناس بلغاتهم ، فيقول لمن سأله أمن امبر امصيام في امسفر (٢) فيقول له : ليس من امبر امصيام في امسفر (٣).
المسألة الثامنة ـ في تنقيح الأقوال بالعرف :
أما العرف فالمراد به هاهنا المعروف من الدين المعلوم من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، المتفق عليه في كل شريعة التي أمهاتها وأصولها الثلاث التي يقال إنّ جبريل نزل بها : أن تصل من قطعك ، فلا شيء أفضل من صلة القاطع ؛ فإنه يدلّ على كرم النفس ، وشرف الحلم ، وخلق الصبر الذي هو مفتاح خيرى الدنيا والآخرة.
وفي الأثر : ليس الواصل بالكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. وقال : أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح.
والذي يبين (٤) ذلك الحديث الصحيح الذي خرجه الأئمة واللفظ للبخاري : قال علىّ بن أبى طالب : بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم سريّة استعمل عليها رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب ، فقال : أليس أمركم النبىّ صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا : بلى. قال : فاجمعوا حطبا. فجمعوا. فقال : أوقدوا لي نارا. فأوقدوها. فقال : ادخلوها. فهمّوا ، وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون : قررنا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم من النار. فما زالوا حتى خمدت النار ، وسكن غضبه ، فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها ، إنما الطاعة في المعروف ، يريد الذي يجوز في الدين موقعه ويثبت فيه حكمه.
المسألة التاسعة ـ وأما الإعراض عن الجاهلين فإنه مخصوص في الكفار الذين أمر بقتالهم ، عام في كل الذي يبقى بعدهم. وقد قال سبحانه (٥) : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).
وقالت أسماء : إنّ أمى قدمت علىّ راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال : نعم ، صلى أمّك.
__________________
(١) هو تصغير النغر ، وهو طائر يثبه العصفور أحمر المنقار (النهاية).
(٢) أمن البر الصيام في السفر.
(٣) في ل : زاد في تبيين.
(٤) سورة الممتحنة ، آية ٨