قال علماؤنا : هذا لمن ثبت في اعتقاده ، وجاهد في الله حقّ جهاده وشاهد الرسول وآياته ، فكيف بنا؟ وإنما هو عندنا خبر من الأخبار لم يعرفه إلا الأخبار (١) ، ولا قدره حقّ قدره إلا الأخيار (٢). وهذا كلّه يعرفكم قدر مالك على سائر العلماء في النظر ، ويبصرّكم استداده على سواء الفكر.
المسألة الرابعة ـ إذا ثبت هذا فقد اختلف علماؤنا في راكب البحر (٣) ؛ هل حكمه حكم الصحيح أو الحامل؟
فقال ابن القاسم : حكمه حكم الصحيح. وقال أشهب : حكمه حكم الحامل إذا بلغت ستة أشهر. وابن القاسم لم يركب البحر ، ولا رأى أنهم دود على عود ، ومن أراد أن يوقن بأن الله هو الفاعل وحده لا فاعل معه ، وأن الأسباب ضعيفة لا تعلّق لموقن بها ، ويتحقق التوكّل والتفويض ـ فليركب البحر ، ولو عاين ذلك سبعين من الدهر ، وتطلع له الشمس في الماء وتغرب فيه ، ويتبعها القمر كذلك ، ولا يسمع للأرض خبرا ، ولا تصفو ساعة له من كدر ، ويعطب في آخر الحال ، كان رأيه كرأى أشهب ، والله يوفق المقال (٤) ويسدّد بعزته المذهب.
المسألة الخامسة ـ إذا ثبت أنها مريضة فقد تقدم القول في فطرها وفديتها في سورة البقرة ، فلينظر هنالك.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
فيها عشر مسائل :
المسألة الأولى ـ في العفو :
قد تقدّم شرحه في سورة البقرة على الاستيفاء في الإطلاق والاشتقاق ، واختلف إيراد(٦) المفسرين في تفسير هذه الآية على أربعة أقوال :
__________________
(١) في ل : الآحاد.
(٢) في ل : الأحبار.
(٣) في القرطبي : في راكب لبحر وقت الهول.
(٤) في ا : الحال.
(٥) الآية التاسعة والتسعون بعد المائة.
(٦) في ا : أفراد.