وقال أبو حنيفة والشافعى : إنما ذلك فيما يكون حال الطّلق ، فأما قبل ذلك فلا ؛ واحتجّوا بأن الحمل عادة وأن الغالب فيه السلامة.
قلنا : كذلك أكثر المرض الغالب عليه السلامة ، وقد يموت من لم يمرض ، ولكن أخذا بظاهر الحال كذلك في مسألتنا.
وبالجملة فإنّ إنكار مرض الحامل عناد ظاهر ، فإذا ثبت هذا فقد حمل العلماء عليه المحبوس في قود أو قصاص ، وحاضر الزحف.
وأنكره الإمامان المذكوران وغيرهما ، فإذا استوعبت النظر لم ترتب في أن المحبوس على القتل أشدّ حالا من المريض ، وإنكار ذلك غفلة في النظر ؛ فإن سبب الموت موجود عندهما ، كما أن المرض سبب الموت ، وقد قال سبحانه (١) : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). وهي الآية الثانية والعشرون في الأحكام من غير السورة ، وذكرت هاهنا لاقتضاء القول إياها ، وإنما رأوا أسبابه ، وكذلك قال رويشد الطائي(٢) :
يا أيها الراكب المزجى مطيّته |
|
سائل بنى أسد ما هذه الصوت (٣) |
وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا |
|
قولا يبرّئكم إنى أنا الموت |
وقال سبحانه في سورة الأحزاب ، وهي :
الآية الثالثة والعشرون في الأحكام من غير السورة اقتضاها القول هاهنا (٤) : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً).
فكيف يقول الشافعى وأبو حنيفة : إنّ الحالة الشديدة إنما هي المبارزة ، وقد أخبر الله عن منازلة العدو ، وتدانى الفريقين بهذه الحالة العظمى من بلوغ القلوب الحناجر ، ومن سوء الظنون بالله ، ومن زلزلة القلوب واضطرابها ، هل هذه الحال ترى على المريض أم لا؟ فهذا كله لا يشكّ فيه منصف.
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية ١٤٣.
(٢) في ل : قال : وأنشد الطائي ، والشعر في القرطبي : ٧ ـ ٣٤
(٣) الصوت : الجرس مذكر ، وإنما أنثه هنا لأنه أراد به الضوضاء والجلبة ، على معنى الصيحة والاستغاثة ، اللسان ـ صوت. وقد تقدم البيت الثاني صفحة ٧٠.
(٤) آية ١٠ ، ١١ ، من سورة الأحزاب.