مأكلة إنما هو على معنى العبث لا على معنى طلب الأكل ؛ فإنه لا ندري أنا إذا أرسلنا غير المعلم هل يدرك ذكاته أم يعقره.
المسألة الحادية عشرة ـ أما الفهد ونحوه إذا علّم فيجوز الاصطياد به. قال ابن عباس: لو صاد علىّ ابن عرس (١) لأكلته ، وذلك لأنه كلب [كله] (٢) في مطلق اللغة ، وقد بيناه في ملجئة المتفقهين ، فأما جوارح الطير ـ وهي :
المسألة الثانية عشرة ـ فقد روى أشهب وغيره عن مالك أن البازي والصقر والعقاب وما أشبه ذلك من الطير إذا كان معلما يفقه ما يفقه الكلب فإنه يجوز صيده ، وبه قال عامة العلماء. وفيه خلاف عن علىّ لا نبالى به.
واختلف علماؤنا ؛ هل يؤخذ صيدها من ظاهر القرآن أو من الحديث؟ فقالت طائفة : يؤخذ من ظاهر القرآن من قوله : (مُكَلِّبِينَ). والتكليب هو التّضرية بالشيء والتسليط عليه لغة ، وهذا يعمّ كل معلم مكلّب ضار.
وقال : أخذ من الحديث ، وروى عدى بن حاتم عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سأل عن صيد البازي ، فقال : ما أمسك عليك فكل. رواه الترمذي (٣) وغيره ، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم الأكل في صيد البازي على ما علق الله سبحانه الأكل في صيد الكلب ، وهو الأكل مما أمسك عليك حسبما بيناه.
المسألة الثالثة عشرة ـ قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) :
اتفقت الأمة على أن الآية لم تأت لبيان التحليل في المعلّم من الجوارح الأكل ، وإنما مساقها تحليل صيده ، وقالوا في تأويله : أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح. فحذف «صيد» وهو المضاف ، وأقام ما بعده وهو المضاف إليه مقامه.
ويحتمل أن يكون معناه أحل لكم الطيبات ، والذي علمتم من الجوارح مبتدأ ، والخبر في قوله : فكلوا مما أمسكن عليكم. وقد تدخل الفاء في خبر المبتدأ كما قال الشاعر (٤) :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومه الحيين خلو كماهيا |
وقد حققنا ذلك في رسالة ملجئة المتفقهين.
__________________
(١) ابن عرس : دويبة تشبه الفأر (المصباح).
(٢) من ل.
(٣) السنن : ٤ ـ ٦٦ ، برقم ١٤٦٧.
(٤) خزانة الأدب : ٤١١ ، وقد تقدم.