وفي المسألة معان كثيرة ؛ منها أن قول النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث عدى يحمل على الكراهية ، بدليل قوله فيه : فإنى أخاف أن يكون أمسك على نفسه. فجعله خوفا ، وذلك لا يستقل بالتحريم.
وقال علماؤنا : الأصل في الحيوان التحريم ، لا يحل إلا بالذكاة والصيد ، وهو مشكوك فيه ؛ فبقى على أصل التحريم.
وقال آخرون منهم القول الثاني ؛ لأنّ ذلك لو كان معتبرا لما جاز البدار إلى هجم الصيد من فم الكلب ، فإنا نخاف أن يكون أمسك على نفسه ليأكل ، فيجب إذا التوقف حتى نعلم حال فعل الكلب به ، وذلك لا يقول به أحد. وأيضا فإن الكلب قد يأكل لفرط جوع أو نسيان ، وقد يذهل العالم النحرير عن المسألة فكيف بالبهيمة العجماء أن تستقصى عليها هذا الاستقصاء! وقد أخذنا أطراف الكلام في مسائل الخلاف على المسألة فلينظر هناك.
المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) :
عام في الكلب الأسود والأبيض. وقال من لا يعرف : إنّ صيد الكلب الأسود لا يؤكل ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلم (١) : فإن الكلب الأسود شيطان. وهذا إنما قاله النبيّ صلّى الله عليه وسلم في قطع الصلاة ، فلو كان الصيد مثله لقاله ، ونحن على العموم حتى يأتى من النبي صلّى الله عليه وسلم لفظ يقتضى صرفنا عنه.
المسألة التاسعة ـ إن أدركت ذكاة الصيد فذكّه دون تفريط ، فإن فرّطت لم يؤكل ، لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلم شرط ذلك عليك ، وفي قوله (٢) : إن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكله ، فإنك لا تدرى من قتله ـ نصّ على اعتبار النية في الذكاة إلّا أن يظهر صاحبه إليك وتجتمعا فيقول كل واحد منكما : قد سميت ؛ فيكونان شريكين فيه.
المسألة العاشرة ـ في قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم : فإن أرسلت كلبا غير معلّم فأدركت ذكاته فكل ـ دليل على أن الحديث بنهي النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير
__________________
(١) ابن ماجة : ١٠٧١.
(٢) مسلم : ١٥٣١