المسألة السابعة ـ قال علماؤنا : هذه الآية أصل من أصول إثبات الذرائع التي انفرد بها مالك ، وتابعه عليها أحمد في بعض رواياته ، وخفيت على الشافعى وأبى حنيفة مع تبحّرهما في الشريعة ، وهو كلّ عمل ظاهر الجواز يتوصّل به إلى محظور ، كما فعل اليهود حين حرّم عليهم صيد السبت ، فسكروا (١) الأنهار ، وربطوا الحيتان فيه إلى يوم الأحد.
وقد بينا أدلة المسألة في كتب الخلاف ، وبسطناها قرآنا وسنّة ودلالة من الأصول في الشريعة.
فإن قيل : هذا الذي فعلت اليهود لم يكن توسّلا إلى الصيد ؛ بل كان نفس الصيد.
قلنا : إنما حقيقة الصيد إخراج الحوت من الماء وتحصيله عند الصائد ، فأما التحيّل عليه إلى حين الصيد فهو سبب الصيد ، لا نفس الصيد. وسبب الشيء غير الشيء ؛ إنما هو الذي يتوصّل به إليه ، ويتوسّل به في تحصيله ، وهذا هو الذي فعله أصحاب السبت.
المسألة الثامنة ـ قال علماؤنا : إنما هلكوا باتّباع الظاهر ؛ لأن الصيد حرم عليهم ، فقالوا : لا نصيد ، بل نأتى بسبب الصيد ، وليس سبب الشيء نفس الشيء ، فنحن لا نرتكب عين ما نهبنا عنه ، فنعوذ بالله من الأخذ بالظاهر المطلق في الشريعة.
المسألة التاسعة ـ قال علماؤنا : اختلف الناس في الممسوخ ؛ هل ينسل أم لا؟ فمنهم من قال : إن المسوخ لا ينسل ، ومنهم من قال ينسل ، وهو الصحيح عندي.
والدليل عليه أمران (٢) :
أحدهما ـ حديث النبىّ صلى الله عليه وسلم في الصحيح ـ حين سئل عن الضبّ ، فقال : إنّ أمّة مسخت ، فأخشى أن يكون الضبّ منها.
وثبت عنه أنه قال : إن الفأر مسخ ، ألا تراه إذا وضع له ألبان الإبل لم يشربها.
وروى البخاري عن عمرو بن ميمون أنه قال : رأيت في الجاهلية قردة قد رجموا قردة. ونصّ الحديث : قد رأيت في الجاهلية قردة قد اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها ، فرجمتها معهم. ثبت في بعض نسخ البخاري ، وسقط في بعضها. وثبت في بعض الحديث : قد زنت. وسقط هذا اللفظ عند بعضهم.
__________________
(١) سكروا الأنهار : سدوها.
(٢) الأمر الثاني غير واضح.