فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم بتحريم البنات والأخوات والعمّات والخالات وسائر الفرائض ؛ كذلك في صحيح الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قال من المؤرّخين : إنّ إدريس كان قبله فقد وهم. والدليل على صحة وهمه في اتباعه صحف اليهود ، وكتب الإسرائيليات ـ الحديث الصحيح في الإسراء ، حين لقى النبي صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس ، فقال له آدم : مرحبا بالنبي الصالح ، والابن الصالح. وقال له إدريس : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. ولو كان إدريس أبا لنوح على صلب محمد لقال له : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. فلما قال له : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح دلّ على أنه يجتمع معه في أبيهم نوح ، ولا كلام لمنصف بعد هذا.
المسألة الثانية ـ روى أن نوحا سمّى به ؛ لأنه ناح على قومه ، وأكثر ذلك من فعله معهم ، والنّوح هو البكاء على الميت ، وكانوا موتى في أديانهم (١) لعدم إجابتهم دعاءه لهم إلى الإيمان ، وإبايتهم عن قبولهم للتوحيد ؛ وهذا وإن كان الاشتقاق يعضده من وجه فإنه يردّه أنّ ما تقدم من الأسماء قبل إسماعيل لم تكن عربية أما إنّ ذكر العلماء لذلك يدلّ على مسألة ؛ وهي جواز اشتقاق الأسماء للرجال والنساء من الأفعال التي يكتسبونها ، إذا لم تكن على طريق الذمّ ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنى الدّوسى من أصحابه بهرّة كان يكتسب لزومها معه ، ودعاه لذلك بأبى هريرة ، في أمثال لهذا كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء نبهنا عليه.
فإن قيل : وأىّ مدح في لزوم الهرّة؟ قلنا : لأنها من الطوّافين والطوافات يصغى (٢) لها الإناء ، ولا تفسد الماء إذا ولغت فيه ، وفيها منفعة عظيمة تكفّ إذاية الفأر ، وما يؤذى الإنسان من الحشرات.
المسألة الثالثة ـ قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : الطّوفان الماء ، والجراد كان يأكل المسامير ، وإن سفينة نوح أتت البيت في جريانها فطافت به سبعا.
__________________
(١) في ا : آدابهم.
(٢) يصغى : يمال.