المسألة الخامسة ـ لما قال الله في سورة البقرة (١) : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ـ قال قوم : إنّ الإثم اسم من أسماء الخمر ، وإن المراد بقوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) ـ الخمر ، حتى قال الشاعر (٢) :
شربت الإثم (٣) حتى زال عقلي |
|
كذلك الإثم يذهب بالعقول |
وهذا لا حجة فيه ، لأنه لو قال : شربت الذنب ، أو شربت الوزر ، لكان كذلك ، ولم يوجب قوله أن يكون الوزر والذنب اسما من أسماء الخمر ، كذلك هذا. والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الأدلة في المعاني. والله الموفق.
الآية السابعة ـ قوله تعالى (٤) : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ الأصل في الأعمال الفرضية الجهر ، والأصل في الأعمال النّفليّة السر ؛ وذلك لما يتطرّق إلى النّفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا ، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال ، وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة ، وقد جعل الباري سبحانه في العبادات ذكرا جهرا وذكرا سرّا ، بحكمة بالغة أنشأها بها ورتّبها عليها ؛ وذلك لما عليه قلوب الخلق من الاختلاف بين الحالين.
المسألة الثانية ـ أما الذكر بالقراءة في الصلاة فانقسم حاله إلى سرّ وجهر ، وأما الدعاء فلم يشرع منه شيء جهرا ؛ لا في حالة القيام ولا في حالة الركوع ، ولا في حالة السجود ؛ لكن اختلف العلماء في قول قارئ الفاتحة : «آمين» هل يسرّ بها أم يجهر؟ وقد قدمناه في هذا الكتاب وفي مسائل الخلاف.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٥) : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢١٩.
(٢) اللسان (أثم) ؛ قال ابن سيده : وعندي أنه إنما سماها إنما لأن شربها إثم.
(٣) في ل : الخمر. وفي اللسان ، والقرطبي (٧ ـ ٢٠٠) : حتى ضل عقلي.
(٤) الآية الخامسة والخمسون.
(٥) الآية التاسعة والخمسون.