ويحتمل أن يكون المراد بذلك كسب الإلزام والالتزام ، لا كسب المعونة والاستخدام ؛ فقد يتعاون المسلمون ويتعاملون بحكم العادة والمروءة والمشاركة ؛ هذا رسول الله قد باع له واشترى عروة البارقىّ في دينار وتصرّف بغير أمره ، فأجازه النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمضاه ؛ نصّه (١) أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ، وأمره أن يشترى له شاة من الجلب (٢) فاشترى له به شاتين ، وباع إحداهما بدينار ، وجاءه بالدينار وبالشاة ؛ فدعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبركة ؛ فكان لا يتّجر في سوق إلا ربح فيها حتى لو اتّجر في التّراب لربح فيه.
قال : ولقد كنت أخرج إلى الكناسة بالكوفة فلا أرجع إلّا وقد ربحت ربحا عظيما. وقد مهّدنا الكلام عليه في صريح الحديث وتلخيص الطريقتين ، فانظروه يجدوه إن شاء الله.
المسألة الثانية ـ قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) :
للوزر معنيان :
أحدهما ـ الثقل ؛ وهو المراد هاهنا ، يقال وزره يزره إذا حمل ثقله ، ومنه قوله تعالى(٣): (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ). والمراد به هاهنا الذنب ؛ قال تعالى (٤) : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) ـ يعنى ذنوبهم ـ (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ؛ أى بئس الشيء شيئا يحملون.
والمعنى لا تحمل نفس مذنبة عقوبة الأخرى ؛ وإنما تؤخذ كلّ نفس منهم بجريرتها التي اكتسبتها ، كما قال تعالى (٥) : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).
وقد وقد أبو رمثة رفاعة بن يثربىّ التميمىّ مع ابنه (٦) على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال : أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه.
وهذا إنما بيّنه لهم ردّا على اعتقادهم. في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بابنه وبأبيه وبجريرة حليفه.
__________________
(١) القرطبي : ٧ ـ ١٥٦.
(٢) الجلب ـ بالتحريك : ما جلب القوم من غنم وغيره.
(٣) سورة الانشراح ، آية ٢.
(٤) الأنعام ، آية ٣١.
(٥) سورة البقرة ، آية ٢٨٦
(٦) هكذا في ا ، وفي ل : أخيه. وفي القرطبي : قال : انطلقت مع أبى نحو النبي ... (٧ ـ ١٥٧) : والقصة بتمامها هناك.