قلنا (١) : هذا تحذير من الله لنبيه لتعلم أمّته المعنى. فإن قال شهداؤهم مثل ما يقولون فلا تقله معهم ؛ فهذا دليل على أن الشاهد إذا قال ما قام الدليل على بطلانه فلا تقبل شهادته.
الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قد تقدم حال الولىّ مع اليتيم في ماله في سورة البقرة وآل عمران (٣) ، وهذا يدلّ على جواز عمل الوصىّ في مال اليتيم إذا كان حسنا حتى يبلغ الغلام أشدّه ، زاد في سورة النساء ويونس رشده.
المسألة الثانية ـ هذا يدلّ على أن البلوغ أشد (٤) ، ويأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة ـ قال أبو حنيفة : الأشدّ خمسة وعشرون عاما ، وعجبا من أبى حنيفة فإنه يرى أن المقدّرات لا تثبت نظرا ولا قياسا ، وإنما تثبت نقلا على ما بيناه في أصول الفقه ، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة ، ولكنه سكن دار الضّرب (٥) فكثر عنده المدلّس ، ولو سكن المعدن (٦) كما قيّض الله لمالك لما صدر عنه إلّا إبريز (٧) الدين وإكسير الملّة كما صدر عن مالك.
الآية السابعة عشرة ـ قوله تعالى (٨) : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (إِنَّ صَلاتِي ...) الآية :
مقام التسليم لله ودرجة التفويض إلى الله بناء عن مشاهدة توحيد ومعاينة يقين وتحقيق؛
__________________
(١) في ل : قلت.
(٢) الآية الثانية والخمسون بعد المائة.
(٣) في البقرة آية ٢٨٢ ، وفي آل عمران آية ١٢٢.
(٤) أشده : قوته. وقد تكون القوة في البدن ، وقد تكون في المعرفة بالتجربة. ولا بد من حصول الوجهين.
(٥) يريد بدار الضرب بغداد. والمعدن : معدن الشريعة ومنجمها وهي المدينة المنورة.
(٦) يقال ذهب إبريز : خالص.
(٧) الآية الثانية والستون ، والثالثة والستون بعد المائة.