فإذا ذبحوا أنعامهم فأكلوا ما أحلّ الله في التوراة ، وتركوا ما حرم ، فهل يحلّ لنا؟ فقال مالك في كتاب محمد : هي محرّمة [عليهم] (١) وقال في سماع المبسوط : هي محلّلة ، وبه قال ابن نافع. وقال ابن القاسم : أكرهه.
والصحيح أكلها ؛ لأنّ الله رفع ذلك التحريم بالإسلام.
فإن قيل : فقد بقي اعتقادهم فيه عند الذكاة.
قلنا : هذا لا يؤثر ؛ لأنه اعتقاد فاسد.
المسألة الرابعة ـ فلو ذبحوا كلّ ذي ظفر ؛ فقال أصبغ : كلّ ما كان محرّما في كتاب الله من ذبائحهم فلا يحلّ أكله. وقاله أشهب وابن القاسم وأجازه ابن وهب. والصحيح تحريمه ؛ لأن ذبحه منهم ليس بذكاة.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) دليل على أنّ التحريم إنما يكون عن ذنب ؛ لأنه ضيق فلا يعدل عن السعة إليه إلا عند الموجدة.
الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا ، فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
قال علماؤنا : فيه دليل على أنّ الرجل إذا قال : رضيت بفلان فإذا شهد أنكره ، وقال : ظننت أنه يقول الحقّ أنه لا يلزمه.
وقد اختلف فيه الفقهاء ؛ فمنهم من قال : يلزمه ذلك. وقال آخرون : لا يلزمه ما قال. وللمالكية القولان. ومشهور قول ابن القاسم أنه لا يلزمه ، وليس في الآية الرضا بالشهادة ثم الإنكار ؛ إنما فيها طلب الدليل واستدعاء البرهان على الدعوى ؛ فإن العرب تحكّمت بالتحريم والتحليل ، فقال الله لنبيه : قل لهم : هاتوا شهداءكم بأنّ هذا من عند الله ، أى حجّتكم حتى نسمعها ، وننظر فيها.
فإن قيل : فما فائدة قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)؟
__________________
(١) من ل.
(٢) الآية : الخمسون بعد المائة.