فأما الشافعىّ
فأخذ بمطلق النهى ، وجعله عامّا في حال الانفصال والاتصال ، وأما ابن حبيب وأبو
حنيفة فأخذا بالمعنى ، وذلك أنه إذا كانا متصلين كان الذبح بهما خنقا ، وأما إذا
كانا منفصلين كانا بمنزلة الحجر والقصب ، وهذا أشبه بمذهب الشافعى ، كما أن مذهبنا
أولى بمذهب الشافعى ؛ لأنّ الذكاة عندنا عبادة ، فكانت باتباع النصّ في الآلة أولى
، وعنده أنها معقولة المعنى ، فكان بإنهار الدم بكل شيء أولى ، ولكن معنى ذلك أنّ
النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما نصّ على السنّ والظفر وقف الشافعىّ عنده وقفة قاطع
للنظر حين قطع الشرع به عنه.
ورأى علماؤنا أن
النهى عن السنّ والظفر ، إنما هو لأجل أنّ من كان يفعله لم يبال أن تخلط الذكاة
بالخنق ، فإذا كانت على يدي من يفصلهما جاز ذلك إذا انفصلا.
المسألة السادسة
عشرة ـ أطلق علماؤنا على المريضة أنّ المذهب جواز تذكيتها ولو أشرفت على الموت إذا
كانت فيها بقية حياة. وليت شعري أى فرق بين بقية حياة من مرنس أو بقية حياة من سبع
لو اتسق النظر وسلمت عن الشّبه الفكر. وقد بينا ذلك في المسائل.
المسألة السابعة
عشرة ـ قولهم : إن الاستثناء يرجع إلى التحريم لا إلى المحرم ، وهو كلام من لم
يفهم ما التحريم. وقد ثبت أنّ التحريم حكم من أحكام الله تعالى ، وقد شرحنا في غير
موضع أنّ الأحكام ليست بصفات للأعيان ، وإنّما هي عبارة عن قول الله سبحانه ، وليس
في القول استثناء ، إنما الاستثناء في المقول [فيه] وهو المخبر عنه .
المسألة الثامنة
عشرة ـ قوله تعالى : (وَأَنْ
تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) :
معناه تطلبوا ما
قسم لكم ، وجعله من حظوظكم وآمالكم ومنافعكم ، وهو محرم فسق ممن فعله ؛ فإنه تعرّض
لعلم الغيب ، ولا يجوز لأحد من خلق الله أن يتعرض للغيب ولا يطلبه ؛ فإن الله
سبحانه قد رفعه بعد نبيه إلّا في الرؤيا.
__________________