المسألة الثالثة عشرة : لا تصح الذكاة إلا بنيّة ؛ ولذلك قلنا : لا تصح من المجنون ومن لا يعقل ؛ لأنّ الله تعالى منعها من المجوسىّ ؛ وهذا يدلّ على اعتبار النية ، ولو لم يعتبر القصد لم يبال ممن وقعت ، وسنكمّل القول فيه في سورة الأنعام.
المسألة الرابعة عشرة ـ ولو ذبحها من القفا ، ثم استوفى القطع ، وأنهر الدم ، وقطع الحلقوم والودجين ، لم تؤكل عند علمائنا.
وقال الشافعي : تؤكل ؛ لأنّ المقصود قد حصل ، وهذا ينبنى على أصل نحققه لكم ؛ وهو أنّ الذكاة وإن كان المقصود بها انهار الدم ، ولكن فيها ضرب من التعبّد والتقرّب إلى الله سبحانه ؛ لأنّ الجاهلية كانت تتقرّب بذلك لأصنامها وأنصابها ، وتهلّ لغير الله فيها ، وتجعلها قربتها وعبادتها ، فأمر الله تعالى بردّها إليه والتعبد بها له ، وهذا يقتضى أن يكون لها نيّة ومحل مخصوص. وقد ذبح النبي صلّى الله عليه وسلم في الحلق ، ونحر في اللّبة ؛ وقال : إنما الذكاة في الحلق واللبّة ، فبيّن محلها ، وقال مبينا لفائدتها : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكل. فإذا أهمل ذلك ، ولم يقع بنية ولا شرط ولا صفة مخصوصة زال منها حظّ التعبّد.
المسألة الخامسة عشرة ـ في الآلة ، وقد بينها النبيّ صلّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في قوله : ما أنهر الدم. وتجويزه الذبح بالقصب والحجر إذا وجد ذلك بصفة الحدّة يقطع ويريح الذبيحة ، ولا يكون معراضا (١) يخنق ولا يقطع ، أو يجرح ولا يفصل ؛ فإن كان كذلك لم يؤكل.
وأما السنّ والظفر ففيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ يجوز بالعظم ؛ قاله في المدوّنة.
والثاني ـ لا يجوز بالعظم والسنّ ، قاله في كتاب محمد ، وبه قال الشافعى.
الثالث ـ إن كانا مركبين لم يذبح بهما ، وإن كان كلّ واحد منهما منفصلا ذبح بهما ؛ قاله ابن حبيب ، [وأبو حنيفة] (٢).
__________________
(١) المعراض : سهم بلا ريش ولا نصل ؛ وإنما يصيب بعرضه دون حده (النهاية).
(٢) ليس في ل. وفي أحكام الجصاص (٣ ـ ٣٠٢) : قال أبو بكر ـ أى الجصاص : الظفر والسن المنهي عن الذبيحة بهما إذا كانتا قائمتين في صاحبهما ؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال في الظفر : إنها مدى الحبشة ، وهم إنما يذبحون بالظفر القائم في موضعه غير المنزوع.