وتعلق الشافعىّ بالقوت ؛ وذلك لأن التوسيق (١) إنما يكون في المقتات غالبا دائما. وأما الخضر فأمرها نادر.
وأما المالكية فتعلقت بأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من خضر المدينة صدقة.
وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحقّ ، وقال : إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتا كان أو غيره وبيّن النبىّ صلى الله عليه وسلم ذلك في عموم قوله (٢) : فيما سقت السماء العشر» : وقد أشرنا في مسائل الخلاف إلى مسالك النظر فيها في كتاب الإنصاف والتخليص (٣). وقد آن تحديد النظر فيها كما يلزم كل مجتهد.
فالذي لاح بعد التردد في مسالكه أنّ الله سبحانه لما ذكّر الإنسان بنعمه في المأكولات التي هي قوام الأبدان وأصل اللذات في الإنسان ، عليها تنبنى الحياة ، وبها يتمّ طيب المعيشة ـ عدّد أصولها تنبيها على توابعها ، فذكر منها خمسة : الكرم ، والنخل ، والزرع ، والزيتون ، والرمان. فالكرم والنخل يؤكل في حالين فاكهة وقوتا. والزرع يؤكل في نوعين : فاكهة وقوتا. والزيت يؤكل قوتا واستصباحا. والرّمان يؤكل فاكهة محضة. وما لم يذكر مما يؤكل لا يخرج عن هذه الأقسام الخمسة. فقال تعالى : هذه نعمتي فكلوها طيبة شرعا بالحل طيبة حسّا باللذة ، وآتوا الحقّ منها يوم الحصاد ، وكان (٤) ذلك بيانا لوقت الإخراج ، وجعل ـ كما أشرنا إليه ـ الحقّ الواجب مختلفا بكثرة المؤونة وقلّتها ، فما كان خفيف المؤونة قد تولّى الله سقيه ففيه العشر ، وما عظمت مؤونته بالسّقى الذي هو أصل الإتيان ففيه (٥) نصف العشر.
فأما قول أحمد : إنّه فيما يوسق لقوله صلى الله عليه وسلم : ليس فيما دون خمسة أوسق من حبّ أو تمر صدقة ، فضعيف ؛ لأنّ الذي يقتضى ظاهر الحديث أن يكون النّصاب معتبرا في التمر والحب. فأما سقوط الحق عما عداهما فليس في قوة الكلام. وأما التعليق
__________________
(١) في ل : الموسق.
(٢) في صحيح مسلم ٦٧٥ : فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقى بالساقية نصف العشر
(٣) في ل : والتخليص.
(٤) في ل : كل.
(٥) في أ : فيه.