قوله : (آتُوا) مفسر ، وقوله : (حَقَّهُ) مفسر في المؤتى ، مجمل في المقدار ؛ وإنما يقع النظر في رفع الإشكال الذي أنشأه احتمال هذه الأقوال ؛ وقد بيّنا فيما سبق وجه أنه ليس في المال حقّ سوى الزكاة ، وتحقيقه في القسم الثاني من علوم القرآن ، وفي سورة البقرة من هذا التأليف ، وثبت أنّ المراد بذلك هاهنا الصدقة المفروضة.
وقد أفادت هذه الآية وجوب الزكاة فيما سمّى الله سبحانه ، وأفادت بيان ما يجب فيه من مخرجات الأرض التي أجملها في قوله (١) : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ، وفسّرها هاهنا ؛ فكانت آية البقرة عامة في المخرج كلّه مجملة في القدر ؛ وهذه الآية خاصة في مخرجات الأرض مجملة في القدر ، فبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بأن يبيّن للناس ما نزل إليهم ، فقال : «فيما سقت السماء العشر ، وما سقى بنضح أو دالية (٢) نصف العشر» ؛ فكان هذا بيانا لمقدار الحقّ المجمل في هذه الآية. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (٣) : «ليس فيما دون خمسة أوسق من حبّ أو تمر صدقة». خرّجه مسلم وغيره ، فكان هذا بيانا للمقدار الذي يؤخذ منه الحق ، والذي يسمّى في ألسنة العلماء نصابا.
وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا متباينا قديما وحديثا ؛ فروى عن مالك وأصحابه: أنّ الزكاة في كل مقتات لا قول له سواه. وقد أوردناه في كتب الفقه وشرحناه ، وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة (٤) : تجب في كل ما تنبته الأرض من المأكولات من القوت والفاكهة والخضر ، وبه قال عبد الملك بن الماجشون في أصول الثمار دون البقول.
وقال أحمد أقوالا ، أظهرها أنّ الزكاة تجب في كل ما قال أبو حنيفة إذا كان يوسق ، فأوجبها في اللّوز ، لأنه مكيل دون الجوز لأنه معدود ، معوّلا على قول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حبّ صدقة ؛ فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ محل الواجب هو الموسق ، وبيّن القدر الذي يجب إخراج الحق منه.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٦٧.
(٢) الدالية : الناعورة ، الساقية.
(٣) صحيح مسلم : ٦٧٤ ، والموطأ : ٢٧٤.
(٤) وارجع في هذا إلى الجصاص : ٤ ـ ١٧٦ وما بعدها.