المسألة الثانية ـ قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) يقضى بدليل الخطاب على رأى من قرأ ألّا يؤكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، لأنه علّق الحكم ـ وهو جواز الأكل على أحد وصفي الشيء ، وهو ما ذكر اسم الله عليه ـ فيدلّ على أن الآخر بخلافه ، بيد أنّ الله تعالى بيّن الحكمين بنصّين ، وتكلّم فيهما بكلامين صريحين ، فقال في المقابل الثاني (١) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ...).
المسألة الثالثة ـ قوله (٢) : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
المعنى : ما المانع لكم من أكل ما سمّيتم عليه ربّكم ، وإن قتلتموه بأيديكم ، وقد بيّن الله لكم المحرّم ، وأوضح لكم المحلل ، فإنّ من حرم عليك معنى خاصّيا أباح ما سواه ، فكيف وقد أذن له في القتل والتسمية عليه وأكله ، فكيف يقابل ذلك من تفضيل الله وحكمه وإيضاحه وشرحه بهوى باطل ورأى فاسد ، صدرا عن غير علم وكانا باعتداء وإثم ، وربّك أعلم بالمعتدين.
المسألة الرابعة ـ قوله (٣) : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) :
المعنى : قد فصّل لكم المحرّم فذروه (٤) وهو الإثم ظاهرا ، وباطنا ، وفي ذلك للعلماء ستة أقوال :
الأول ـ ظاهره وباطنه : سرّه وعلانيته ، قاله مجاهد ، وقتادة.
الثاني ـ قال سعيد بن جبير : ظاهر الإثم نكاح ذوات المحارم ، وباطنه الزنا.
الثالث ـ ظاهر الإثم أصحاب الرايات من الزواني ، وباطنه ذوات الأخدان ، قاله السدى وغيره.
الرابع ـ ظاهر الإثم طواف العربان ، وباطنه الزنا ، قاله ابن زيد.
وقد قالت طائفة : إن الإثم اسم من أسماء الخمر ، فعلى هذا يكون معنى الآية في القول
__________________
(١) آخر آية ١٢١ من السورة.
(٢) الآية التاسعة عشرة بعد المائة.
(٣) الآية العشرون بعد المائة.
(٤) ذروه : اتركوه.