أما أصل مالك فقوله ـ فيمن قال : علىّ أشدّ ما أخذ أحد على أحد. قال علماؤنا : يطلّق نساءه ، وذلك لأنّ الناس كانوا في زمانه ، وقبل ذلك ، يحلفون في البيعة ويتوثّقون فيما يحتاجون إليه من العهود في المحالفة ، ويدخلون في اليمين بالله اليمين بالعتق والطلاق والحجّ وغيره ، فلما سئل مالك عن هذه النازلة وأصحابه رأوا أنّ الحرج عليهم في أن يتركوا معه أزواجه محتبسين في النكاح ، ومما يأخذه الناس بعضهم على بعض الطلاق فتحرّجوا في ذلك ، وقالوا : يطلّق نساءه.
وأما طريق الأدلة فلأنّ الألف واللام لا يخلو أن يراد بها هاهنا الجنس أو العهد ، فإن دخلت للعهد فالمعهود قولك بالله ، فيكون ما قاله الفهري. وإن دخلت للجنس فالطلاق جنس ، فيدخل فيها ولا يستوفى عدده ، فإن الذي يكفى أن يدخل من كل جنس معنى واحد ، فإنه لو دخل في الجنس المعنى كلّه للزمه أن يتصدّق بجميع ماله ، إذ قد تكون الصدقة بجميع المال يمينا ، ونافذة فيما إذا كان المال معينا في دار أو عبد أو دابة أو كبش (١) وتصدق بذلك ، فإنه ينفذ إجماعا ، فتبصّرنا ذلك ، وأخذنا بالوسط منه ، وقد بسطنا ذلك في الرسالة الحاكمة على الأيمان اللازمة ، وهناك يستوفى الناظر غرضه منها ، والله عز وجل أعلم ، وبه التوفيق.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٢) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ، وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
فيها عشر (٣) مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى الترمذي وغيره عن ابن عباس ، قال (٤) : أنى أناس النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، أنأكل ما تقتل ، ولا نأكل ما قتل الله؟ فأنزل الله تعالى (٥) : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ ...) إلى قوله (٦) : (لَمُشْرِكُونَ).
__________________
(١) في ل : جنس.
(٢) الآية الواحدة والعشرون بعد المائة.
(٣) في ا : تسع مسائل.
(٤) أسباب النزول : ١٢٨.
(٥) أول الآية الثامنة عشرة بعد المائة.
(٦) آخر آية ١٢١ من السورة.