المسألة السادسة ـ اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الآية ، وهو جهل ؛ لأن هذه الآية قد صرّحت بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه ، ولا مساءة في جواب نوازل الوقت ، وقد كان من سلف من السلف الصالح يكرهها أيضا ، ويقول فيما يسأل عنه من ذلك : دعوه دعوه حتى يقع ، يريد : فإن الله سبحانه وتعالى حينئذ يعين على جوابه ، ويفتح إلى الصواب ما استبهم من بابه ؛ وتعاطيه قبل ذلك غلوّ في القصد ، وسرف من المجتهد ؛ وقد وقف أعرابى على ربيعة الرأى وهو يفرّع المسائل ، فقال : ما العىّ عندنا إلا ما هذا فيه منذ اليوم. وإنما ينبغي أن يعتنى ببسط الأدلة ، وإيضاح سبل النظر ، وتحصيل مقدمات الاجتهاد ، وإعداد الآلة (١) المعينة على الاستمداد ؛ فإذا عرضت النازلة أتيت من بابها ، ونشدت في مظانّها ، والله يفتح في صوابها.
المسألة السابعة ـ وهم بعض المفسرين في هذه الآية في ثلاثة فصول :
الأول ـ قال : إن قوله : (لا تَسْئَلُوا ...) إلى قوله : (تَسُؤْكُمْ) سؤال عما لا يعنى (٢) ، وليس كذلك ؛ بل هو سؤال عما يضرّ ويسوء ، ففرق بين أن يكون النهى عن شيء يضر. وبين أن يكون عما لا يعنى. وهذا بيّن.
الثاني ـ قال : قوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) ، يعنى وإن تسألوا عن غيرها ؛ لأنه نهاهم فكيف ينهاهم ويقول : إنه يبين لهم إن سألوه عنها. وهذا استبعاد محض عار عن البرهان ؛ وأىّ فرق أو أى استحالة في أن يقال : لا تسأل ، فإنك إن سألت يبيّن لك ما يسوءك ، فالسكوت عنه أولى بك ، وإن الله تعالى قد عفا عنها لك.
الثالث ـ قوله : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) :
قال : فهذا السؤال لغير الشيء ، والأول والثاني هو سؤال عن غير الشيء ، وهذا كلام فاتر ، مع أنه قد تقدم ضده حين قال : إن السؤال الثاني هو سؤال عن الشيء ، وفيما قدمناه بلاغ في الآية ، والله عز وجل أعلم ، وبه التوفيق.
__________________
(١) في ل : الأدلة.
(٢) في ل : عما لا يغنى.