روى أنّ أمّ السائل قالت له : يا بنى ؛ أرأيت أمك لو قارفت بعض ما كان يقارفه أهل الجاهلية ، أكنت تفضحها؟ فكان الستر أفضل.
ويعضده أيضا رواية من روى عن تفسير فرض الحج ؛ فإن تكراره مستثنى لعظيم المشقة فيه ، وعظيم الاستطاعة عليه. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنّ الله أمركم بأشياء فامتثلوها ، ونهاكم عن أشياء فاجتنبوها ، وسكت لكم عن أشياء رحمة منه ، فلا تسألوا عنها.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) : وهذا يشهد لكونها من باب التكليف الذي لا يبيّنه إلا نزول القرآن ، وجعل نزول القرآن سببا لوجوب الجواب ؛ إذ لا شرع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، يحقّق ذلك قوله تعالى (١) : (عَفَا اللهُ عَنْها) ؛ أى أسقطها ، وهي :
المسألة الرابعة ـ والذي يسقط لعدم بيان الله سبحانه فيه وسكوته عنه هو باب التكليف ؛ فإنه بعد موت النبىّ صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه ، فيحرّم عالم ، ويحلّل آخر ، ويوجب مجتهد. ويسقط آخر ؛ واختلاف العلماء رحمة للخلق ، وفسحة في الحق ، وطريق مهيع (٢) إلى الرفق.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى (٣) : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) :
فيه أربعة أقوال :
الأول ـ قوم عيسى عليه السّلام في المائدة.
الثاني ـ قوم صالح في الناقة.
الثالث ـ قريش في الصفا ذهبا.
الرابع ـ بنو إسرائيل ، كانت تسأل : فإذا عرفت بالحكم لم تقرّ ولم تمتثل.
والصحيح أنه عامّ في الكل ، ولقد كفرت العيسوية بعيسى وبالمائدة ، والصالحية بالناقة ، والمكية بكل ما شهدت من آية ، وعاينت من معجزة مما سألته ومما لم تسأله على كثرتها ؛ وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من الأمم.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ١٠١.
(٢) مهيع : بين.
(٣) سورة المائدة ، آية ١٠٢