الآية الموفية ثلاثين ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها ، وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
وفي ذلك أربعة أقوال :
الأول ـ روى في الصحيح عن أنس ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعنا مثلها. قال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا. قال : فغطّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ، ولهم حنين. فقال رجل : من أبى؟ فقال : أبوك فلان ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
الثاني ـ ثبت في الصحيح ، عن ابن عباس ، كانوا يسألون (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبى؟ ويقول الرجل ـ تضل ناقته : أين ناقتي ؛ فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
الثالث ـ روى (٣) الترمذي عن علىّ قال : لما نزلت (٤) : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ـ قالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام؟ قال : لا. ولو قلت: نعم لوجبت. فأنزل الله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ). وقد تقدّم في سورة آل عمران بعضه.
الرابع ـ أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ؛ قاله ابن عباس.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) :
هذا المساق يعضد من هذه الأسباب رواية من روى أنّ سببها سؤال ذلك الرجل : من أبى؟ لأنه لو كشف له عن سرّ أمه ربما كانت قد بغت عليه فيلحق العار بهم. ولذلك
__________________
(١) الآية الواحدة والثانية بعد المائة.
(٢) أسباب النزول : ١٢٠.
(٣) سنن الترمذي : ٥ ـ ٢٥٦.
(٤) سورة آل عمران ، آية ٩٧ ، وأسباب النزول : ١٢١