وقد احتجّ أيضا من زعم أنّ من اكترى قاعة إلى أمد فكمل أمده ، وقد بنى بها وأسّس ، فأراد صاحب الأرض (١) أن يخرجه ، فإنه يدفع إليه قيمة بنائه قائما ، ولا يهدمه عليه ، كما يفعل بالغاصب إذا بنى في البقعة المغصوبة.
ونظر آخرون إلى أنّ البيع إذا فسخ بعد الفوت يكون فيه غبن على أحد المتعاقدين ولا عقوبة في الأموال. وكذلك إذا كمل أمد الباني فأىّ حجة له ، وهو يعلم أنّ البنيان إلى أمد ، فإن صاحب العرصة (٢) سيحتاج إلى عرضته لمثل ما هي عليه من البناء أو لغيره ، فيحمله ذلك على أن يلزمه إخلاءها مما (٣) شغلها به ، وهذه كلّها حقوق مرتبطة بحقائق وأدلة تتفق تارة وتفترق أخرى ، وتتباين تارة وتتماثل أخرى.
وتحقيق ذلك على التفصيل في مسائل الخلاف (٤).
المسألة الخامسة ـ حقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة ، ومثله الاستقامة ، وضدّه الاعوجاج ، وذلك يتصرف إلى أربعة أوجه :
الأول ـ الاستواء في المقدار ، ولا يتساوى الخبيث والطّيب مقدارا في الدنيا ، لأن الخبيث أوزن دنيا والطّيّب أوزن أخرى (٥).
الثاني ـ الاستواء في المكان ، ولا يستويان أيضا فيه ؛ لأن الخبيث في النار والطيب في الجنة.
الثالث ـ الاستواء في الذهاب ، ولا يتساويان أيضا فيه ؛ لأن الخبيث بأخذ جهة الشمال والطيب يأخذ (٦) في جهة اليمين.
الرابع ـ الاستواء في الإنفاق ، ولا يستويان أيضا فيه ؛ لأن منفق الخبيث يعود عليه الخسران في الدارين ، ومنفق الطيب يربح في الدارين. أما خسران الأول فنقص ماله في الدنيا ، ونقص ماله في الآخرة ؛ وربح منفق الطيب في الدنيا حسن النية وصدق الرجاء في العوض ، وربحه في الآخرة ثقل الميزان.
__________________
(١) في ل : الموضع.
(٢) العرصة : كل موضع واسع لا بناء فيه (النهاية).
(٣) في ا : متى.
(٤) في ل : الفقه.
(٥) في ل : آخرة.
(٦) في ل : يذهب.