الإلهام ، وشرع على ألسنة الرسل الكرام الهدى والقلائد ، فكانوا إذا أخذوا بعيرا أشعروه (١) دما ، وعلّقوا عليه نعلا. روى ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك ـ وهي :
المسألة الثامنة ـ أنّ القلائد حبل يفتله ، ونعلان يقلّدهما ، والنعل الواحد تجزى ؛ ولذلك روى ابن وهب عن ابن عمر أنه كان (٢) يقلّد نعلين. وربما قلد نعلا واحدا ، فإذا فعل الرجل ذلك في بعيره أو في نفسه لم يرعه ذلك حيث لقيه ، وكان الفيصل بينه وبين من طلبه أو ظلمه ، حتى جاء الله بالإسلام ، وبيّن الحقّ بمحمد عليه السّلام ، فانتظم الدين في سلكه ، وعاد الحقّ إلى نصابه ، وبهذا وجبت الخلافة هدى ، ومنع الله الخلق بعد ذلك أن يتركوا سدى ، فأسندت الإمامة إليه ، وانبنى وجوبها على الخلق عليه ، وهو قوله سبحانه وتعالى (٣) : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).
المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) الى آخر الآية.
المعنى أنه دبّر ذلك من حكمه ، وأنفذه من قضائه بقدرته على مقتضى علمه ، ليعلموا بظهور هذا التقدير وانتظامه في التدبير عموم علمه ، وشمول قدرته ، وإحاطته بذلك كله ، كيفما تصرّف أو تقدر.
الآية التاسعة والعشرون ـ قوله سبحانه وتعالى (٤) : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ في الخبيث :
وفيه قولان :
__________________
(١) إشعار البدن : هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك علامة تعرف بها أنها هدى (النهاية).
(٢) في ل : قال.
(٣) سورة النور ، آية ٥٥.
(٤) الآية المائة.