فإن قيل : ومن أى شيء حرّمها؟ قلنا : من سطوة الجبابرة ومن ظلمة الكفر فيها بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل : فقد قال في الحديث الصحيح (١) : ليخربنّ الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة.
قلنا : هذا عند انقلاب الحال ، وانقضاء الزمان ، وإقبال الساعة ، وسيأتى بيانه الآن إن شاء الله تعالى.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (قِياماً لِلنَّاسِ) :
قيام الشيء قوامه وملاكه ؛ أى يقومون به قياما ، كما قال (٢) : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) ؛ أى يقومون بها.
المسألة السادسة ـ في معناه الحقيقي :
فيه ثلاثة أقوال :
[الأول] (٣) ـ قال سعيد بن جبير : قياما للناس ، أى صلاحا.
الثاني ـ قياما للناس ؛ أى أمنا.
الثالث ـ يعنى في المناسك والمتعبدات ؛ قاله الزجاج وغبره.
والقول الأول يدخل فيه الثاني ؛ لأنّ الأمن من الصلاح ، ويدخل التمكن من المناسك والعبادات ؛ فإن الكل مصلحة.
وفائدة ذلك وحكمته أنّ الله سبحانه خلق الخلق في الجبلّة (٤) أخيافا (٥) يتقاطعون تدابرا واختلافا ، ويتنافسون في لفّ الحطام إسرافا ، لا يبتغون فيه إنصافا ، ولا يأتمرون فيه برشد اعترافا ، فأمرهم الله سبحانه بالخلافة ، وجعل فيهم المملكة ، وصرّف أمورهم إلى تدبير واحد يزعهم (٦) عن التنازع ، ويحملهم على التألف من التقاطع ، ويردع الظالم عن المظلوم ، ويقرر كلّ يد على ما تستولى عليه حقّا ، ويسوسهم في أحوالهم لطفا ورفقا ، وأوقع في قلوبهم صدق ذلك وصوابه ، وأراهم بالمعاينة والتجربة صلاح ذلك في ابتداء الأمر
__________________
(١) صحيح مسلم : ٢٢٣٢ ، وذو السويفتين : هما تصغير ساق الإنسان صغرهما لرقتهما ؛ وهي صفة سوق السودان غالبا.
(٢) سورة النساء ، آية ٥.
(٣) ساقط من ا.
(٤) الجبلة : الطبيعة.
(٥) أخيافا : مختلفين.
(٦) يزعهم : يكفهم ويمنعهم.