والصحيح أنه يلزم القيمة يوم الإتلاف ، وهذه المسألة محمولة عليها. والدليل على ذلك أنّ الوجوب كان حقّا للمتلف عليه ، فإذا أعدمه المتلف لزمه إيجاده بمثله (١) ، وذلك في وقت العدم ، فالقضاء يظهر (٢) الواجب في ذمة المتلف ، ولا يستأنف القاضي إيجابا لم يكن ، وهذا يعضد في مسألتنا الوجوب في موضع الإتلاف ، فأما في موضع فعل الكفّارة فلا وجه له.
المسألة الحادية والثلاثون ـ قال علماؤنا : فأما الهدى فلا بد له من مكة.
وأما الإطعام فاختلف فيه قول مالك ؛ هل يكون بمكة أو بموضع الإصابة.
وأما الصوم فلم يختلف قوله : إنه يصوم حيث شاء. وقال حماد وأبو حنيفة : يكفّر بموضع الإصابة. وقال عطاء : ما كان من دم أو طعام بمكة ، ويصوم حيث شاء.
وقال الطبري : يكفّر حيث شاء. فأما قول أبى حنيفة : إنه يكفّر حيث أصاب ، فلا وجه له في النظر ولا أثر فيه. وأما من قال : إنه يصوم حيث شاء فلأنّ الصوم عبادة تختص بالصائم ، فتكون في كل موضع كصيام سائر الكفارات في الحجّ وغيرها.
وأما وجه القول بأنّ الطعام يكون بمكة فلأنه بدل من الهدى أو نظير له ؛ والهدى حقّ لمساكين مكة ؛ فلذلك يكون بمكة بدله أو نظيره. وأما من قال : إنه يكون بكل موضع ، وهو المختار ، فإنه اعتبار بكل طعام وفدية ، فإنها تجوز بكل موضع. والله أعلم.
المسألة الثانية والثلاثون ـ قوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) :
قال علماؤنا : العدل والعدل ـ بفتح العين وكسرها : هو المثل ، ويؤثر عن السكاكي أنه قال : عدل الشيء ـ بكسر العين ـ مثله من جنسه ، وبفتح العين مثله من غير جنسه ، وأراد أو يصوم صوما مماثلا للطعام ، ولا يصحّ أن يماثل الطعام الطعام في وجه أقرب من العدد. وقد تقدّم توجيهه.
ومن العلماء من قال : يصوم على عدد المساكين في الطعام لا على عدد الأمداد الأشهر ، وهو عند علماءنا ، والكافّة. ومنهم من قدّره بالأمداد ، وقد قال الشافعى : عن كلّ مدّ يوما ، وهو القول الثاني لمالك.
__________________
(١) في ل : لمثله.
(٢) في ل : مظهر.