وأما القاضي أبو زيد فبناه في (١) أسرار الله على أصل ، وهو أنه قال : السرّ فيه أنّ الجناية في الإحرام على العباد ، فقد ارتكب كلّ واحد منهم محظورا في إحرامه. وإذا قتل صيدا في الحرم فإنما أتلف نفسا محترمة ؛ فكان بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة ، فإن كلّ واحد منهم قاتل دابة ، ويشتركون في القيمة ، وهذا مما يستهين به علماؤنا ، وهو عسير الانفصال.
وقد عوّل علماؤنا على أنّ الرجل يكون محرما بدخوله في الحرم ، كما يكون محرما بقلبيته (٢) بالإحرام ، وكلّ واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلّق بها نهى ، فهو هاتك لها في الحالين. وأبو حنيفة أقوى منا ، على (٣) أن علماءنا قالوا : إذا قتل الصيد في الحلّ وهو محرم فعليه الجزاء ، وإن قتله في الحرم (٤) فعليه حكومة ، وهي :
المسألة الثامنة والعشرون ـ وقال بعضهم : لا جزاء في صيد الحرم أصلا.
وقال سائر العلماء : حرمة الحرم كالإحرام ، واللفظ فيهما واحد ، يقال : أحرم الرجل إذا تلبس بالإحرام ، كما يقال : أحرم إذا دخل في الحرم حسبما تقدّم بيانه ، فلا معنى لما قاله من أسقط الجزاء فيه ، ويضعف قول علمائنا لاقتضاء اللفظ لوجوب الجزاء وعموم الحكم في ذلك كله.
المسألة التاسعة والعشرون ـ وكذلك كفّارة العبد إذا أحرم أو دخل الحرم ككفّارة الحرّ سواء ؛ لكن يكون حكمه في الكفارة المالية والبدنية مختلف الحال ، كما سيأتى في آية الظّهار إن شاء الله تعالى.
المسألة الموفية ثلاثين ـ إذا قوّم الطعام فاختلف العلماء أين يقوّم؟ فقال قوم : يقوّم في موضع الجناية ؛ قاله حماد وأبو حنيفة ومالك وسواهم. ومنهم من قال : يقوّم حيث يكفّر بمكة. وروى عن الشعبي.
وهذه مسألة مشكلة جدا ؛ فإن العلماء اختلفوا في الوقت الذي تعتبر به قيمة المتلف ؛ فقال قوم : يوم الإتلاف. وقال آخر : يوم القضاء. وقال آخرون : يلزم المتلف أكثر القيمتين من الإتلاف إلى يوم الحكم ، واختلف علماؤنا كاختلافهم.
__________________
(١) في ل : على.
(٢) في ل : بتلبسه.
(٣) في ل : كما.
(٤) في ا : الحل.