متلف نفسا على الكمال ومذهب روحا على التمام. ولو لا ذلك ما وجب عليهم القصاص ، وقد قلنا بوجوبه إجماعا منها ومنهم فثبت ما قلنا.
وأما المعنوي فإنّ عندنا أنّ الجزاء كفارة ، وعند الشافعى أنه قيمة.
وتحقيق القول في ذلك أنّ هذا الجزاء كفارة ومقابل للجناية ، وكلّ واحد جنى على إحرامه جناية كاملة ، وكلّ واحد منهم يسمّى قاتلا ؛ والدليل على صحة ذلك كلّه أنّ الله سبحانه سمّى الجزاء كفّارة في كتابه.
وأما كمال الجناية لكل واحد منهم على الإحرام فصحيح ؛ لأن كلّ واحد منهم ارتكب محظور إحرامه في قتل الصيد ، وسمّى قاتلا حقيقة فوجب على كلّ واحد منهم جزاء.
فإن قيل : إنه يقوّم بقيمة الصيد ، ويلحظ فيه شبهه. ولو كان كفارة لاعتبر مطلقا من اعتبار ذلك كلّه ، كما في كفارة القتل ، فلما كان كذلك صار كالدية.
قلنا : هذا باطل. والدليل عليه دخول الصوم عليه. ولو كان بدل متلف ما دخل الصيام عليه ، فإنّ الصيام إنما موضعه وموضوعه الكفارات ، لا أبدال المتلفات.
جواب آخر ـ وذلك أنه إنما تقدّر بقدر المحل ؛ لأنّ الجناية لها محلّ ، فيزيد بزيادته ، وينقص بنقصانه ، بخلاف كفارة الآدمي ؛ فإنه حدّ لا يتقدّر حقيقة (١) فيقدر كفارة.
جواب ثالث ـ وذلك أنّ الجزاء لا يجوز إسقاطه ، والدية يجوز إسقاطها ، فدلّ على اختلافهما بالصفة والموضوع.
جواب رابع ـ وذلك أن الذكر والأنثى يستوي في الجزاء ، ويختلف في الدية ، وقيمه الإتلاف ؛ فدلّ ذلك كله على الفرق بينهما ، وظهر أن ذلك من قول الشافعى ضعيف جدّا. والله عز وجل أعلم.
المسألة السابعة والعشرون ـ خالف أبو حنيفة مالكا في فرع ؛ وهو إذا قتل جماعة صيدا في حرم وهم محلّون ـ فعليهم جزاء واحد ، بخلاف ما لو قتله المحرمون في الحلّ ، وهو ضعيف ؛ لأنّ كل واحد منهم قتل نفسا محرّمة ، فسواء كانت في الحل أو في الحرم فإن ذلك لا يختلف.
__________________
(١) في ل : حقيقته.