وروى نحوه عن النخعي ، ومجاهد ، والسدى ، وحماد ، وغيرهم.
فأما قوله : فإن لم يجد هديا فإطعام ستة مساكين ، فقد قدمنا أنه على التخيير لا على الترتيب بما يقتضيه حرف «أو» في لسان العرب.
وأما تقدير الطعام في الظّبى بستة مساكين ، وفي البدنة بثلاثين مسكينا فليس بتقدير نافذ ؛ وإنما هو تحكم باختيار قيمة الطعام بالدراهم أصلا أو بدلا كما تقدم ، ثم يعطى عن كل مدّ يوما لا نصف صاع.
وقد روى بكر بن عبد الله المزني : كان رجلان من الأعراب محرمين ، فحاش أحدهما صيدا فقتله الآخر ، فأتيا عمر ، وعنده عبد الرحمن بن عوف ، فقال له عمر : ما ترى؟ قال : شاة. قال : وأنا أرى ذلك. اذهبا فأهديا شاه. فلما مضيا قال أحدهما لصاحبه : ما درى أمير المؤمنين ما يقول ، حتى سأل صاحبه. فسمعه (١) عمر ، فردّهما ، فقال : هل تقرآن سورة المائدة؟ فقالا : لا. فقرأ عليهما : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً) ، ثم قال: استعنت بصاحبي هذا.
وعن قبيصة وصاحب له أنهما أصابا ـ وذكر الحديث ، فقال لصاحبه (٢) : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول. فسمعهما عمر. فأقبل عليه ضربا بالدّرّة ، وقال : تقتل الصيد وأنت محرم ، وتغمص الفتيا ، إن الله سبحانه قال في كتابه : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ). وهذا عبد الرحمن بن عوف وأنا عمر.
وهذا يدلّ على أنّ الاشتراك في قتل الصيد المحرم يوجب على المشتركين كفّارة واحدة لقضاء عمر وعبد الرحمن بن عوف بشاة واحدة على رجلين ، وبه قال الشافعى.
وقال مالك وأبو حنيفة : على كل واحد منهم جزاء كامل ، وهي :
المسألة السادسة والعشرون ـ وهي تنبنى على أصلين :
أحدهما ـ لغوى قرآنى ، والآخر معنوي ؛ أما اللغوي القرآنى فإنّ كلّ واحد من القاتلين للصيد قاتل نفسا على الكمال والتمام ، بدليل قتل الجماعة بالواحد ؛ لأنّ كلّ واحد
__________________
(١) في ل : فسمعهما.
(٢) والقرطبي : ٦ ـ ٣١١.