فإن قيل (١) : لو كان الشبه من طريق الخلقة معتبرا ، في النعامة بدنة ، وفي الحمار بقرة ، وفي الظبى شاة لما أوقفه على عدلين يحكمان به ؛ لأنّ ذلك قد علم ، فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر ، وإنما يفتقر إلى العدول والحكم (٢) ما يشكل الحال فيه ويضطرب وجه النظر عليه.
والجواب أنّ اعتبار الحكمين إنما وجب في حال المصيد من صغر وكبر ، وماله جنس مما لا جنس له ، وليعتبر ما وقع التنصيص عليه من الصحابة ، فيلحق به ما لم يقع بينهم (٣) نصّ عليه.
فإن قيل : فقد قال : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ، فشرك بينهما ب «أو» ، فصار تقدير الكلام : فجزاء مثل ما قتل من النّعم ، أو من الطعام ، أو من الصيام ، وتقدير المثلية في الطعام والصيام بالمعنى ، وكذلك في المثل الأول.
قلنا : هذا جهل أو تجاهل ؛ فإن قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ظاهر كما قدمنا في مثل الخلقة ، وما عداه يمتنع فيه مثلية الخلقة حسّا ؛ فرجع إلى مثلية المعنى حكما (٤) ، وليس إذا عدم المعنى المطلوب في موضع ويرجع إلى بدله يلزم أن يرجع إلى بدله مع وجوده.
(تكملة) ومن يعجب فعجب من قراءة المكي والمدني والبصري والشامي : فجزاء مثل ـ بالإضافة ؛ وهذا يقتضى الغيرية بين المضاف والمضاف إليه ، وأن يكون الجزاء لمثل المقتول (٥) لا المقتول ، ومن قراءة الكوفيين : فجزاء مثل ـ على الوصف (٦) ، وذلك يقتضى أن يكون الجزاء هو المثل.
ويقول أهل الكوفة من الفقهاء : إنّ الجزاء غير المثل. ويقول المدنيون والمكيون والشاميون من الفقهاء : إن الجزاء هو المثل ؛ فيبنى كلّ واحد منهم مذهبه على خلاف مقتضى ظاهر قراءة قراء بلده.
وقد قال لنا القاضي أبو الحسن القرافي الزاهد : إنّ ابن معقل الكاتب أخبره عن أبى على النحوي أنه قال : إنما يجب عليه جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول. والإضافة توجب جزاء المثل لا جزاء المقتول. قال : ومن أضاف الجزاء إلى المثل فإنه يخرج على تقدير إقحام المثل ؛ وذلك كقولهم : أنا أكرم مثلك ؛ أى أكرمك.
__________________
(١) هذا قول أبى حنيفة كما في القرطبي (٦ ـ ٣١٠).
(٢) في القرطبي : والنظر.
(٣) في ل : منهم.
(٤) في ل : حقا.
(٥) في ا : القتل.
(٦) في الكشاف : وقرئ : فجزاء مثل ما قتل بنصبهما ، بمعنى فليجز جزاء مثل ما قتل (١ ـ ٢٧٤) ، وعبارته أوضح.