والمقدار المتعلق منه هاهنا بهذا الموضع أنّ القتل ليس من أنواع التذكية بمطلقه ولا الخنق ، ولا يعدّ من باب الذبح أو النحر اللذين شرعا في الحيوان المأكول لتطييبه.
المسألة الخامسة ـ لما قال الله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) جرى عمومه على كلّ صيد برّى وبحرى ، حتى جاء قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ؛ فأباح صيد البحر إباحة مطلقة ، وحرّم صيد البرّ على المحرمين ؛ فصار هذا التقسيم والتنويع دليلا على خروج صيد البحر من النهى.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) عامّ في التحريم بالزمان ، وفي التحريم بالمكان ، وفي التحريم بحالة الإحرام ، إلا أن تحريم الزمان خرج بالإجماع عن أن يكون معتبرا ، وبقي تحريم المكان وحالة الإحرام على أصل التكليف.
المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) عامّ في كل صيد كان ، مأكولا أو غير مأكول ، سبعا أو غير سبع ، ضاريا أو غير ضار ، صائلا أو ساكنا ؛ بيد أن العلماء اختلفوا في خروج السباع عنه وتخصيصه منها (١) ؛ فقال علماؤنا : يجوز للمحرم قتل السباع العادية المبتدئة بالمضرّة كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب العقور وما في معناها ، ومن الطير كالغراب والحدأة ؛ ولا جزاء عليه فيه.
وقال أبو حنيفة بقولنا في الكلب العقور والذئب والغراب والحدأة ، وخالفنا في السبع والفهد والنمر وغيرها من السباع ، فأوجب على المحرم الجزاء بقتلها.
وقال الشافعى : كلّ ما لا يؤكل لحمه فلا جزاء فيه إلا السّمع وهو المتولّد بين الذئب والضبع.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : خمس ليس على المحرم في قتلهنّ جناح. وفي رواية: يقتلن في الحلّ والحرم : الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور. وفي رواية : الحية والكلب العقور ، خرّجه الأئمة بأجمعهم. وفيه الغراب الأبقع ؛ خرّجه مسلم (٢) ، وفيه السبع العادي ، خرّجه أبو داود والترمذي ، وهذا تنبيه على العلّة وعلى الأجناس.
__________________
(١) في ل : فيها.
(٢) صحيح مسلم : ٨٥٨