والجواب أن هذا بناء على دعوى ؛ فإنّ المحرم ليس بأهل لذبح الصيد ؛ إذ الأهلية لا تستفاد عقلا ، وإنما يفيدها الشرع ، وذلك بإذنه في الذبح ؛ أو ينفيها الشرع أيضا ؛ وذلك بنهيه عن الذبح. والمحرم منهىّ عن ذبح الصيد بقوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ؛ فقد انتفت الأهلية بالنهى.
وأما قولهم : فأفاد مقصوده ، فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد لا يحلّ له أكله (١) ؛ وإنما يأكل منه عندهم غيره ، فإذا كان الذبح لا يفيد الحلّ للذابح فأولى وأحرى ألّا يفيده لغيره ؛ لأنّ الفرع تبع للأصل في أحكامه ، فلا يصحّ أن يثبت له ما لا يثبت لأصله.
وإذا بطل منزع الشافعىّ ومأخذه فقد اعتمد علماؤنا سوى ما تقدّم ذكره على أنه ذبح محرّم لحقّ الله تعالى لمعنى في الذابح ، فلا يجوز كذبح المجوسي ، وهذا صحيح. فإن الذي قال (٢) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) هو القائل : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). والأوّل نهى عن المقصود بالسبب ؛ فدلّ على عدم السبب. والثاني نهى عن السبب ، فدلّ على عدمه شرعا ، فلا يفيد مقصوده حكما ، وهذا من نفيس الأصول فتأمّلوه.
وقول علمائنا : لمعنى في الذابح فيه احتراز من السكين المغصوبة (٣) والكالّة وملك الغير ، فإن كلّ ذلك من التذكية منهىّ عنه ، ولكنه لما لم يكن لمعنى في الذابح ولا في المذبوح لم يحرّم.
المسألة الرابعة ـ لما قال الله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ؛ فجعل القتل منافيا للتذكية خارجا عن حكم الذبح للأكل ـ قال علماؤنا : إذا قال : لله علىّ أن أقتل ولدي فهو عاص ، ولا شيء عليه. وإذا قال : لله علىّ أن أذبح ولدي فإنه يفتديه بشاة على تفصيل بيانه في مسائل الخلاف ، وسيأتى إن شاء الله تعالى في سورة الصافات بيانه.
__________________
(١) في ل : لا يحل له أن يأكل منه عندهم.
(٢) سورة الأنعام ، آية ١٢١.
(٣) في ل : المعضوبة.