المسألة السادسة ـ قال مالك : لا يحلّ صيد الذمّىّ بناء على أنّ الله خاطب المؤمنين المحلّين في أول الآية ، فخرج عنهم أهل الذمة ، لاختصاص المخاطبين بالإيمان ، فيقتضى ذلك اقتصاره عليهم إلا بدليل يقتضى التعميم.
وليس هذا من باب دليل الخطاب الذي هو تعليق الحكم بأحد وصفي الشيء ، ليدلّ على أنّ الآخر بخلافه ، ولكنه من باب أنّ أحد الوصفين منطوق به ، مبيّن حكمه ، والثاني مسكوت عنه ، وليس في معنى ما نطق به.
فإن قيل : إن كان مسكونا عنه فحمله عليه بدليل قوله تعالى (١) : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ).
قلنا : هذا يدلّ على جواز أكل طعامهم. والصيد باب آخر ؛ فلا يدخل في عموم ذكر الطعام ، ولا يتناوله مطلق لفظه.
فإن قيل : نقيسه عليه ؛ فإنه نوع ذكاة ، فجاز من الذمي كذبح الإنسى.
قلنا : للمقدور عليه مما يذكّى شروط ، ولما لا يقدر عليه شروط أخر ؛ ولكل واحد منهما موضوع وضع عليه ، ومنصب جعل عليه ، ولا يجوز الإلحاق فيما اختلف موضوعه في الأصل ؛ وهذا فنّ من أصول الفقه بيناه في موضعه.
المسألة السابعة ـ أمّا صيد المجوسىّ فإنه لا يؤكل إجماعا ؛ لأنّ الصّيد الواقع منه داخل تحت قوله تعالى (٢) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ؛ والمجوسىّ إنما يزعم أنه يأكل ويشرب ، ويتحرّك ويسكن ، ويفعل جميع أفعاله لغير الله سبحانه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم (٣) : إذا ذكرت اسم الله على كلبك المعلّم فكل.
فإن قيل : فالذمىّ لا يذكر اسم الله ويؤكل صيده.
قلنا : لا يؤكل صيد الذمي في أحد القولين فيسقط عنا (٤) هذا الالتزام. وإن قلنا : إنه يؤكل فلمطلق قوله تعالى (٥) : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) على أحد الأدلة(٦) ، وعلى الدليل الثاني نأكله لأنهم لم يخاطبوا بفروع الشريعة. وعلى الدليل الثالث يكون
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ٥.
(٢) سورة الأنعام ، آية ١٢١.
(٣) صحيح مسلم : ١٥٣٢
(٤) في ل : عندنا.
(٥) سورة المائدة ، آية ٥.
(٦) في ل : أحد القولين.