أحدهما ـ أنهم المحلّون ؛ قاله مالك.
الثاني ـ أنهم المحرمون ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وتعلّق من عمّم بأن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) مطلق في الجميع.
وتعلق من خصّ بأن قوله : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) يقتضى أنهم المحرمون ؛ فإن تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام.
وهذا لا يلزم ؛ لأنّ قوله : ليبلونّكم ، الذي يقتضى التكليف يتحقق في المحلّ بما شرط له من أمور الصيد ، وما شرع له من وظيفة (١) في كيفية الاصطياد ، والتكليف كلّه ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة ، وتباين في الضعف والشدة.
المسألة الرابعة ـ قال قوم : الأصل في الصّيد التحريم ، والإباحة فرعه المرتّب عليه ، وهذا ينعكس فيقال : الأصل في الصيد الإباحة والتحريم فرعه المرتّب عليه ، ولا دليل يرجّح أحد القولين به.
ونحن نقول : لا أصل في شيء إلا ما أصله الشرع بتبيان حكمه وإيضاح الدليل عليه من حلّ أو تحريم ، ووجوب أو ندب أو كراهية ، وقد بينّا هذا في مسألة الأكل لما أكله الكلب من الصيد ، حتى قيل الأصل في الصيد التحريم. وإذا أكل الكلب من الصيد فهو مشكوك فيه. وقلنا : إنّ الأصل في الصيد الإباحة فلا يحرّمه أكل الكلب منه إلا بدليل. ثم ذكرنا التعارض فيه والانفصال عنه ، فلينظر في موضعه.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) بيان لحكم صغار الصيد وكباره.
قال ابن وهب : قال مالك : قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) ؛ فكل شيء يناله الإنسان بيده ، أو برمحه ـ أو بشيء من سلاحه فقتله ، فهو صيد ، كما قال الله تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ، وهذا بيان شاف.
__________________
(١) في القرطبي : من وصفه.
(٢) سورة المائدة ، آية ٩٥