لعمر ، حتى قفلوا من حجّهم ، ونزل عمر بالسّقيا (١) ونام بها ؛ فلما استيقظ عمر قال : عجّلوا علىّ بقدامة ، انطلقوا فأتونى به ، فو الله أنى لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال لي : سالم قدامة فإنه أخوك. فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه ؛ فأمر عمر بقدامة أن يجرّ إليه جرّا حتى كلمه (٢) عمر واستغفر له ، فكان أول صلحهما.
فهذا يدلّك على تأويل الآية ، وما ذكر فيه عن ابن عباس في حديث الدارقطني وعمر في حديث البرقاني ، وهو صحيح. وبسطه أنه لو كان من شرب الخمر واتقى الله في غيره لا يحدّ على الخمر ما حدّ أحد ، فكان هذا من أفسد تأويل ، وقد خفى على قدامة ، وعرفه من وفّقه الله له كعمر وابن عباس ، والله أعلم.
وإن (٣) حراما لا أرى الدهر باكيا |
|
على شجوه (٤) إلّا بكيت على عمر |
الآية الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
وقد قيل : إنها نزلت في غزوة الحديبية ، أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم ؛ فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم (٦) ، واشتبهت أحكامه عليهم ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لأحكام أحوالهم وأفعالهم ومحظورات حجّهم وعمرتهم.
المسألة الثانية ـ هذه الآية عامة في الذكور والإناث ، خاطب الله سبحانه بها كلّ مسلم منهم ، وكذلك الآية التي بعدها ، وقد ذكرنا في مسائل الأصول (٧) هذه الترجمة ، وبيّنا حقيقتها ، وأوضحنا ـ فيما تقدّم ـ معناها في كل آية تجرى عليها.
المسألة الثالثة ـ اختلف العلماء في المخاطب بهذه الآية على قولين :
__________________
(١) السقيا : موضع بين المدينة ووادي الصفراء.
(٢) في ل : تحلمه.
(٣) والقرطبي : ٦ ـ ٢٩٩
(٤) الشجو : الهم والحزن.
(٥) الآية المرابعة والتسعون.
(٦) في القرطبي : أحوالهم ، وأفعالهم.
(٧) في ل : أصول الفقه.