إلا البلاغ ، فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين. أمّا عقاب التولية والمعصية فعلى المرسل لا على الرسول.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) :
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى البخاري عن أنس قال (٢) : كنت ساقى القوم في منزل أبى طلحة ، فنزل تحريم الخمر ، فأمر (٣) مناديا ينادى ؛ فقال أبو طلحة (٤) : اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال : فخرجت ، فقلت : هذا مناد ينادى : ألا إن الخمر قد حرمت. فقال لي : اذهب فاهرقها ، وكان الخمر من الفضيخ (٥). قال : فجرت في سكك المدينة. فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم. قال : فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) ـ إلى قوله : (الْمُحْسِنِينَ). وقد روى نحوه صحيحا عن البراء أيضا.
المسألة الثانية ـ نزلت الآية فيمن شرب الخمر ، ثم قال فيه : إذا ما طعموا ؛ فكان ذلك دليلا على تسمية الشراب طعاما ، وقد قدّمنا ذلك في سورة البقرة.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) إلى : (الْمُحْسِنِينَ).
اختلف فيها على ثلاثة أقوال :
الأول ـ اتقوا في اتّباع الأمر واجتناب النهى ، واتقوا في الثبات على ذلك ، واتقوا في لزوم النوافل ؛ وهو الإحسان إلى آخر العمر.
الثاني ـ اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات ، ثم اتقوا بعد تحريمها شربها ، ثم اتقوا في الذي بقي من أعمارهم ، فاجتنبوا العمل المحرم.
__________________
(١) الآية الثالثة والتسعون.
(٢) أسباب النزول : ١٢٠ ، والقرطبي : ٦ ـ ٢٩٣
(٣) أمر : أى النبي.
(٤) البخاري : ١٢٦ ، وابن كثير ٩٣.
(٥) الفضيخ : شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده من غير أن تمسه النار ، والمفضوخ هو المشدوخ.