الثالث ـ اتقوا الشّرك ، وآمنوا ، ثم اتقوا الحرام ، ثم اتقوا ترك الإحسان ، فيعبدون الله ، وإن لم يروه كأنهم يرونه.
وقد صرفت فيها أقوال على قدر وظائف الشريعة يكثر تعدادها ، وأشبهها بالقرآن والسنة ما رواه الدّارقطنيّ عن ابن عباس : أنّ الشّرّاب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدى والنّعال وبالعصىّ حتى توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبى بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفّى ، فكان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين ، ثمّ أتى برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب ، فأمر به أن يجلد ، فقال : أتجلدني! بيني وبينك كتاب الله. فقال عمر : أفي (١) كتاب الله تجد ألّا أجلدك؟ فقال : إن الله تعالى يقول : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية ؛ فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها.
فقال عمر : ألا تردّون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس : إن هذه الآيات أنزلت عذرا لمن صبر وحجة على الناس ؛ لأن الله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...) الآية ، ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى ؛ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الله تعالى قد نهاه أن يشرب الخمر.
فقال عمر : صدقت ، ماذا ترون؟ فقال علىّ : إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفترى جلد ثمانين. [فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة](٢).
وروى البخاري عن عبد الله بن عيّاش بن أبى ربيعة ، قال : استعمل عمر قدامة بن مظعون على البحرين ، وقد كان شهد بدرا ، وهو خال ابن عمر وحفصة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم ؛ زاد البرقاني : فقدم الجارود من البحرين ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قدامة ابن مظعون قد شرب مسكرا ، وإنى إذا رأيت حدا من حدود الله تعالى حقّ علىّ أن أرفعه إليك. فقال له عمر : من يشهد لي على ما تقول؟ فقال : أبو هريرة.
__________________
(١) في ل ، والقرطبي (٦ ـ ٢٩٧) : وفي أى كتاب الله.
(٢) من ل ، والقرطبي.