أعتقت لم ترفع حاجتهم وزدت محتاجا حادي عشر إليهم ، وكذلك الكسوة تليه ، ولما علم الله [غلبة] (١) الحاجة بدأ بالمهم المقدّم.
المسألة الرابعة عشرة ـ قوله تعالى : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) :
وقوله : «تطعمون» يحتمل طعامهم بقية عمرهم ، ويحتمل غداء وعشاء. وأجمعت الأمّة على أكلة اليوم وسطا في كفارة اليمين وشبعا في غيرها ، إلا أن أبا حنيفة قال : تتقدّر كفارة اليمين في البرّ بنصف صاع ، وفي التمر والشعير بصاع. وأصل الكلام في المسألة أن الوسط في لسان العرب ينطلق على الأعلى والخيار ، ومنه قوله تعالى (٢) : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ؛ أى عدولا خيارا. وينطلق على منزلة بين منزلتين ، ونصفا بين طرفين ، وإليه يعزى المثل المضروب : خير الأمور أوساطها.
وقد أجمعت الأمة على أنّ الوسط بمعنى الخيار هاهنا متروك ، واتفقوا على أنه المنزلة بين الطرفين ، فمنهم من جعلها معلومة عادة ، ومنهم من قدّرها كأبى حنيفة ، وإنما حمله على ذلك حديث رواه أبو داود عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ، فأمر بصدقة الفطر ، صاع من تمر ، أو صاع من شعير على كل رأس ، أو صاع برّ بين اثنين ، وبه أخذ سفيان وابن المبارك.
والذي ثبت في الصحاح صاع من الكل من طريق ابن عمر وأبى سعيد ؛ وذلك كلّه مشهور. والذي أوقعه في ذلك أنه أراد به الوسط من الجنس ، وذلك باطل بقوله تعالى : (ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ). وإنما يخرج الرجل مما يأكل.
وقد زلّت هاهنا جملة من العلماء ؛ فقالوا : إنه إذا كان يأكل الشعير ويأكل الناس البرّ فليخرج مما يأكل الناس ، وهذا سهو بيّن ، فإن المكفّر (٣) إذا لم يستطع في خاصة نفسه إلا الشعير لم يكلّف أن يعطى لغيره سواه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : صاعا من طعام ، صاعا من شعير ، صاعا من تمر. في موضع كان فيه الشعير والتمر أكثر من البرّ ، والبرّ أكثر من الشعير والتمر ، فإنما فصّل ذكرهما ليخرج كلّ أحد فرضه مما يأكل منها ، وهذا مما لا خفاء به.
__________________
(١) من ل.
(٢) سورة البقرة ، آية ١٤٣.
(٣) في ل : المكلف.