وتعلّق الذين جوّزوا التقديم بأنّ اليمين سبب الكفارة ، والدليل عليه قوله تعالى : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) ؛ فأضاف الكفارة إلى اليمين. والمعاني تضاف إلى أسبابها وأكدوا ذلك بوجهين :
أحدهما ـ أنّ الحنث قد يكون من غير فعله ، كقوله : والله لا جاء فلان غدا من سفره ، ولا طلعت الشمس غدا.
الثاني ـ أن شهود اليمين بالطلاق على الزوج إذا رجعوا وجب عليهم الصّداق ، ولو لا كون اليمين سببا ما ضمنوا ما لا تعلّق له بالتفويت ؛ لأن التفويت على قولهم إنما يتعلق بالسبب الذي هو الحنث لا باليمين.
وتعيّن علينا أن ننظر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو آكد من النظر في الأداء ؛ لأنه أولى ، وهي المحل الثاني ، فوجدنا الآثار في صحيح الحديث مختلفة في ذلك:
روى أبو موسى الأشعرى وأبو هريرة وعدىّ بن حاتم وسمرة بن جندب ، قال أبو موسى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) : وإنى إن شاء الله لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها إلا كفّرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير. وقد روى لنا فليأتها وليكفر عن يمينه. وفي رواية : فليكفر عن يمينه وليفعل. قال عدى : فليكفّرها وليأت الذي هو خير ؛ فوجب الترجيح ؛ فكان تقديم الحنث أولى ؛ لأنا إذا رددنا حديث تقديم الحنث إلى حديث تقديم الكفارة يسقطه ، وردّ حديث تقديم الكفارة إلى تقديم الحنث يثبتهما جميعا. وأما المعاني فهي متعارضة ، فمن أراد التلخيص منها فلينظرها في التلخيص (٢)
المسألة الثالثة عشرة ـ ذكر الله عزّ وجل في الكتاب الخلال الثلاث مخيّرا فيها ، وعقّب عند عدمها بالصيام ؛ فالخلة الأولى هي الإطعام ، وبدأ بها لأنها كانت الأفضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة فيها على الخلق ، وعدم شبعهم. ولا خلاف في أنّ كفارة اليمين على التخيير ؛ وإنما اختلفوا في الأفضل من خلالها.
وعندي أنها تكون بحسب الحال ؛ فإن علمت محتاجا فالإطعام أفضل ؛ لأنك إذا
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٢٧٣.
(٢) في ل : التخليص.