ونحن نقول : أراد به الجنس والقدر جميعا ، وذلك مدّ بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو العدل من القدر. وقد بيّن (١) النبىّ صلى الله عليه وسلم في كفارة الأذى فرقا بين ستة مساكين. والفرق ثلاثة آصع ـ مجمل (٢) قوله صدقة ، ولم يجمل الله سبحانه وتعالى في كفارة اليمين ، بل قال : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وقد كان عندهم جنس ما يطعمون وقدره معلوما ، ووسط القدر مدّ ، وأطلق في كفارة الظّهار فقال (٣) : (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) ، فحمل على الأكثر ، وهذه سبيل مهيع (٤) ، ولم يرد مطلق ذلك إلى مقيّده ، ولا عامّه إلى خاصه ، ولا مجمله إلى مفسّره.
المسألة الخامسة عشرة ـ لا بدّ عندنا وعند الشافعى من تمليك المساكين ما يخرج لهم ، ودفعه إليهم حتى يتملّكوه ويتصرفوا فيه.
وقال أبو حنيفة : لو غدّاهم وعشّاهم جاز ، وقد روى عن مالك مثله. وهو اختيار ابن الماجشون ؛ وهي طيولية تكلّمنا عليها في مسائل الخلاف. وحقيقة المسألة أنّ عبد الملك قال : إن التمكين من الطعام إطعام ، قال الله تعالى (٥) : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً). فبأىّ وجه أطعمه دخل في الآية.
وأما غيره فقال : إنّ الإطعام هو التمليك حقيقة ، قال تعالى (٦) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ). وفي الحديث : أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدة السدس ؛ وذلك لأن «أطعم» من الأفعال المتعدّية إلى مفعولين ، كقولنا أعطيته ، فيقول : طعم زيد ، وأطعمته ؛ أي جعلته يطعم ، وحقيقته بالتمليك هذه بنيّة النظر للفريقين.
وتحريره أنّ الآية محتملة للوجهين ، فمن يدّعى التمليك هو الذي يخصّص العموم فعليه الدليل ، ونخصّه نحن بالقياس حملا على زكاة الفطر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : أغنوهم عن سؤال هذا اليوم. فلم يجز فيه إلا التمليك. وهذا بالغ ، ولا سيما والمقصود من الإطعام التمليك التام الذي يتمكّن منه المسكين من الطعام تمكن المالك ، كالكسوة ؛
__________________
(١) صحيح مسلم : ٨٦١.
(٢) هكذا في الأصول.
(٣) سورة المجادلة ، آية ٤
(٤) مهيع : بين.
(٥) سورة الإنسان ، آية ٨.
(٦) سورة الأنعام ، آية ١٤