وأصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الذين كانوا قد اجتمعوا واعتقدوا تحريم الأطايب ، من الطعام والزينة من الثياب واللذة من النساء حلفوا على ذلك ، ولأجله نزلت الآية فيهم ؛ وإن كانوا لم يحلفوا ، ولكنهم اعتقدوا ، فقد دخلت مسألتهم في قسم اللغو ؛ وإذا أراد أبو حنيفة أن يلحق قوله : حرّمت على نفسي الأكل ، بقوله : والله لا أكلت ، تبيّن لكم نقصان هذا الإلحاق وفساده ؛ لأنه باليمين حرّم وأكد التحريم بذكر الله تعالى ، وإذا قال : حرّمت على نفسي الأكل (١) ، فتحريمه وحده دون ذكر الله تعالى كيف يلحق بالتحريم المقرون بذكر الله تعالى بعد إسقاطه هذا الإلحاق (٢)؟ لا يخفى تهاتره على أحد.
المسألة التاسعة ـ روى نافع عن ابن عمر : إذا لم يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين ، وإذا أكدها أعتق رقبة. قيل لنافع : ما التأكيد؟ قال : أن تحلف على الشيء مرارا ؛ وهذا تحكّم لا يشهد له شيء من الأثر ولا من النظر.
المسألة العاشرة ـ إذا انعقدت اليمين كما قدمنا حلّتها الكفارة أو الاستثناء (٣) ، وكلاهما رخصة من الله سبحانه.
فأما الاستثناء فقال العلماء : إنه يكون متّصلا باليمين. واختلف فيه على ثلاثة أقوال:
الأول ـ أنه يكون متصلا باليمين نسقا عليها لا يكون متراخيا عنها.
الثاني ـ قال محمد بن الموّاز : يكون مقترنا باليمين اعتقادا أو بآخر حرف منها ، فإن بدا له بعد الفراغ منها فاستثنى لم ينفعه ذلك.
الثالث ـ أنه يدرك اليمين الاستثناء [ولو] (٤) بعد سنة ؛ قاله ابن عباس. وتعلّق بقوله تعالى (٥) : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ...) إلى آخر الآية إلى قوله : (مُهاناً) ـ فإنها نزلت ، فلما كان بعد عام نزل قوله تعالى (٦) : (إِلَّا مَنْ تابَ ...).
وأما قول محمد فإنه ينبنى على أن الاستثناء هل يحلّ اليمين بعد عقدها [أو يمنعها من الانعقاد؟ والصحيح أنه موضوع لحلّ اليمين] (٧) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنى والله إن شاء الله ، [فجاء] (٨) فيها بالاستثناء بعد اليمين لفظا ـ فكذلك يكون عقدا.
__________________
(١) في ل : هذا الطعام.
(٢) في ا : هذا إلحاق.
(٣) في ل : والاستثناء.
(٤) من ل ، وفي القرطبي كما في ا.
(٥) سورة الفرقان ، آية ٦٨.
(٦) الآية السبعون من السورة نفسها.
(٧) من ل.