الحالف ؛ فإنه كلما ذكر بلسانه الله تعالى حدث له غلبة (١) حال من الخوف ، وربما اقتضت له رعدة ، وقد يرهب بها على المحلوف له ، كقوله صلى الله عليه وسلم لليهود : والله الذي لا إله إلا هو ، فأرهب عليهم بالتوحيد ، لاعتقادهم أنّ عزيزا ابن الله.
والذي يتحصّل من ذلك أن التشديد على وجه صحيح ؛ فإن المرء يعقد على المعنى بالقصد إليه ، ثم يؤكد الحلف بقصد آخر ، فهذا هو العقد الثاني الذي حصل به التكرار أو التأكيد ، بخلاف اللغو فإنه قصد اليمين وفاته التأكيد بالقصد الصحيح إلى المحلوف عليه.
المسألة الثامنة ـ اليمين لا يقتضى تحريم المحلوف عليه عند علمائنا ، وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة : يقتضى تحريم المحلوف عليه ، وقد بينا هذه المسألة في تلخيص الطريقتين المراقبة والخراسانية على التمام.
وعند أبى حنيفة أنّ من قال : حرّمت على نفسي هذا الطعام ، أو هذا الثوب لزمته الكفّارة ؛ لاعتقاده أنّ اليمين تحرّم ، فركب عليه هذه المسألة.
ولما رأى علماؤنا أن مسألة أبى حنيفة في تحريم الحلال مركبة على اليمين أنكروا له أنّ اليمين تحرّم ، وكان هذا لأنّ النظار تحملهم مقارعة الخصوم على النظر في المناقضات وترك التحقيق ، والنظار المحقّق يتفقد الحقائق ، ولا يبالى على من دار النظر ، ولا ما صحّ من مذهب.
والذي نعتقده أنّ اليمين تحرّم المحلوف عليه ؛ فإنه إذا قال : والله لا دخلت الدار فإن هذا القول قد منعه من الدخول حتى يكفّر ، فإن أقدم على الفعل (٢) قبل الكفارة لزمه أداؤها ؛ والامتناع هو التحريم بعينه ، والباري تعالى هو المحرّم وهو المحلل ، ولكن تحريمه يكون ابتداء كمحرمات الشريعة (٣) ، وقد يكون بأسباب يعلقها عليه من أفعال المكلفين ، كتعليق التحريم بالطلاق ، والتحريم باليمين. ويرفع التحريم الكفارة مفعولة أو معزوما عليها. ويرفع تحريم الطلاق النكاح بحسب ما رتّب سبحانه من الأحكام ، وبيّن من الشروط. هذا لبابه ، وتمامه في التلخيص (٤) ، فلينظر فيه [باقى قسمي هذا الباب فإن فيه لغنية الألباب] (٥).
__________________
(١) في ل : حديث لقلبه.
(٢) في ل : عليه.
(٣) في ل : الشرائع.
(٤) في ل : التخلص.
(٥) من ل.