فأما التخفيف فهو أضعفها رواية وأقواها معنى ، لأنه فعلتم من العقد ، وهو المطلوب. وإذا قرئ عاقدتم فهو فاعلتم ، وذلك يكون من اثنين ، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه ، وقد يعود ذلك إلى المحلوف عليه فإنه ربط به اليمين ، وقد يكون فاعل بمعنى فعل ، كقولك : طارق (١) النعل ، وعاقب اللص ، في أحد الوجهين في اللص خاصة.
وإذا قرئ عقّدتم ـ بتشديد القاف ـ فقد اختلف العلماء في تأويله على أربعة أقوال:
الأول ـ قال مجاهد : تعمّدتم (٢).
الثاني ـ قال الحسن : معناه ما تعمدت به (٣) المأثم فعليك فيه الكفارة.
الثالث ـ قال ابن عمر : التشديد يقتضى التكرار ، فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرّر (٤) اليمين.
الرابع ـ قال مجاهد : التشديد للتأكيد ، وهو قوله : والله الذي لا إله إلا هو.
قال ابن العربي : أما قول مجاهد : ما تعمدتم فهو صحيح ، يعنى ما قصدتم إليه احترازا من اللّغو.
وأما قول الحسن ما تعمدتم فيه المأثم فيعنى به مخالفة اليمين ، فحينئذ تكون الكفارة ، وهذان القولان حسنان يفتقران إلى تحقيق ، وهو بيان وجه التشديد ، فإنّ ابن عمر حمله على التكرار ، وهو قول لم يصح عنه عندي لضعفه. فقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم(٥) : وإنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني. فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر.
وأما قول مجاهد : إنّ التشديد في التأكيد محمول على تكرار الصفات ؛ فإن قولنا : «والله» يقتضى جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فإذا ذكر شيئا من ذلك فقد تضمّنه قوله : والله.
فإن قيل : فما فائدة التغليظ بالألفاظ؟ قلنا : لا تغليظ عندنا بالألفاظ. وقد تقدم بيانه. وإن غلظنا فليس على معنى أنّ ما ليس بمغلّظ ليس بيمين ، ولكن على معنى الإرهاب على
__________________
(١) طارق النعل ، وأطرقه : خصفه (القاموس).
(٢) في القرطبي : تعمدتم ، أى قصدتم.
(٣) في ل : فيه.
(٤) في ا : تكرر.
(٥) ابن ماجة : ٦٨١