المسألة الثانية ـ فاليمين الغموس (١) في أى قسم هي؟
قلنا : هي مسألة عظمى وداهية كبرى تكلّم فيها العلماء ، وقد أفضنا فيها في مسائل الخلاف.
ووجه إشكالها أنها إن كانت لا كفارة فيها فهي في قسم اللغو ، فلا تقع فيها مؤاخذة ، وإن كانت مما يؤاخذ بها فهي في قسم المنعقدة ، تلزم فيها الكفارة.
وحلّه طويل ؛ اختصاره أن الآية وردت بقسمين : لغو ، ومنعقدة خرجت على الغالب في أيمان الناس ؛ فأما اليمين الغموس فلا يرضى بها ذو دين أو مروءة ، ويحل الإشكال ، أيضا أن الله سبحانه علّق الكفارة على قسمي اليمين المنعقدة ، فدع ما بعدها يكون مائة قسم ؛ فإنه لم تعلّق عليه كفارة.
فإن قيل : اليمين الغموس منعقدة. والدليل عليه أنها مكتسبة بالقلب ، معقودة بخبر ، مقرونة باسم الله تعالى.
قلنا : عقد القلب إنما يكون عقدا إذا تصور حلّه ، واليمين الغموس مكر وخديعة.
والدليل عليه أنّ هذا الذي صوّره أصحاب الشافعى موجود في يمين الاستثناء ، ولا كفارة فيها ؛ فثبت أنّ مجرد القصد لا يكفى في الكفارة ، هذا وقد فارق اليمين الغموس الحل. وكيف تنعقد؟ وقد مهّدنا القول فيها في تخليص التلخيص ، فلينظر هنالك.
المسألة الثالثة ـ في حقيقة اليمين :
قد بيّناها في المسائل ، وهي ربط العقد بالامتناع والترك (٢) أو بالإقدام على فعل بمعنى معظّم حقيقة أو اعتقادا.
والمعظّم حقيقة ، كقوله : والله لا دخلت الدار أو لأدخلنّ. والمعظّم اعتقادا ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، أو أنت حر. والحرية معظّمة عنده ، لاعتقاده عظيم ما يخرج عن يده في الحرية والطلاق.
__________________
(١) اليمين الغموس : هو اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره ، سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ، ثم في النار (النهاية).
(٢) في ل : والكف.