والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه معصية ، ويقال له : لا تفعل فكفر ، فإن أقدم على الفعل فجر في إقدامه وبر في يمينه.
وإنما قلنا : إنها تنعقد لأنه قصد بقلبه الفعل أو الكفّ في زمان مستقبل يتأتّى فيه كلّ واحد منهما. وهذا ظاهر.
والمتعلّق الخامس ـ في يمين الغضب موضع فتنة ؛ فإنّ بعض الناس يقول : يمين الغضب لا يلزم ، وينظر في ذلك إلى حديث يروى : لا يمين في إغلاق (١) ، وهذا لم يصحّ ، والإغلاق : الإكراه ، لأنه تغلق الأبواب على المكره (٢) وتردّه إلى مقصده ، وقد حلف النبىّ صلى الله عليه وسلم غاضبا ألّا يحمل الأشعريين وحملهم ، وقال : والله إن شاء الله إنى لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني. وهذا بيّن ظاهر جدا.
وأما من قال : إنه قول الرجل : لا والله ، وبلى والله. ففي صحيح البخاري ، عن عائشة قالت : نزلت : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) ، في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله.
قلنا : هذا صحيح ، ومعناه إذا أكثر الرجل في يمينه من قول : لا والله ، وبلى الله ، على أشياء يظنّها كما قال ، فتخرج بخلافه.
أو على حقيقة ، فهي تنقسم قسمين : قسما يظنّ وقسما يعقد ، فلا يؤاخذ منها فيما وقع على ظنّ ، ويؤاخذ فيما عقد ، وكيف يجوز أن يظن أحد أن قوله : لا والله ، وبلى والله ، فيما يعتقده ويعقده أنه لغو ، وهو منهىّ عن الاسترسال فيه والتهافت به. قال الله سبحانه (٣) : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) ؛ فنهى عنها ولا يؤاخذ إذا فعلها.
هذا لعمر الله هو القول اللغو ، وهذا يبيّن لك أن القول ما قاله مالك ، وأنه اليمين على ظنّ يخرج بخلافه.
فإن قيل وهي :
__________________
(١) إغلاق : إكراه ؛ لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه ، كما يغلق الباب على الإنسان (النهاية).
(٢) في ل : المكلف.
(٣) سورة البقرة آية ٢٢٤.