المسألة الثالثة ـ قال علماؤنا : هذا إذا كان الدّين قواما ، ولم يكن المال حراما ؛ فأما إذا فسد الدين عند الناس ، وعمّ الحرام فالتبتّل وترك اللذات أولى ، وإذا وجد الحلال فحال النبىّ صلى الله عليه وسلم أفضل ، وكان ذاتشمند (١) رحمه الله يقول : إذا عمّ الحرام ، وطبّق (٢) البلاد ، ولم يوجد حلال استؤنف الحكم ، وصار الكلّ معفوّا عنه ، وكان كل واحد أحقّ بما في يده ما لم يعلم صاحبه.
وأنا أقول : إن هذا الكلام منقاس إذا انقطع الحرام ، فأما والغصب متماد ، والمعاملات الفاسدة مستمرة ، ولا يخرج المرء من حرام إلا إلى حرام فأشبه المعاش من كان له عقار قديم الميراث يأكل من غلّته ، وما رأيت في رحلتي أحدا يأكل مالا حلالا محضا إلا سعيدا المغربي ، كان يخرج في صائفة الخطمي ، فيجمع من زريعته (٣) قوته ويطحنها ويأكلها بزيت يجلبه الروم من بلادهم.
المسألة الرابعة ـ إذا قال : هذا علىّ حرام لشيء من الحلال ـ عدا الزوجة فإنه كذبة لا شيء عليه فيها ، ويستغفر الله ، ولا يحرم عليه شيء مما حرمه.
هذا مذهب مالك والشافعى ، وأكثر الصحابة ؛ وروى أنه قول يوجب الكفارة ، وبه قال أبو حنيفة. ويدلّ عليه حديث عبد الله بن رواحة المتقدم.
وفي حديث الجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى أيضا عنهم أنهم حلفوا بالله فأذن لهم في الكفّارة ، فتعلّق أصحاب أبى حنيفة بمسألة اليمين ، وتأتى إن شاء الله.
وأما إذا قال لزوجته : أنت علىّ حرام فموضعها سورة التحريم ، والله يسهل في البلوغ إليها بعونه.
__________________
(١) هكذا بالأصل ، وفي هامشه : هو الإمام أبو حامد الغزالي ، وهو لقب أعجمى يفسر بعالم العلماء (هامش ١).
(٢) طبق البلاد : عمها.
(٣) الزريعة كسفينة : الشيء المزروع (القاموس).