من أجلى ، فطعامك علىّ حرام إن ذقته. فقالت هي : وهو علىّ حرام إن لم تذقه. وقال الضيف : هو علىّ حرام إن ذقته إن لم تذوقوه. فلما رأى ذلك ابن رواحة قال : قرّبى طعامك ، كلوا بسم الله ، وغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره. فقال صلى الله عليه وسلم : أحسنت. ونزلت الآية : فكلوا مما رزقكم الله.
قال ابن عباس في حديثه : فقالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا ، فنزلت (١) : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ...) الآية.
الثالث ـ روى التّرمذى عن ابن عباس أنّ رجلا جاء إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا رسول الله ؛ إنى إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتنى شهوة ، فحرمت علىّ اللحم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ...) إلى (مُؤْمِنُونَ).
قال الترمذي : صحيحة الإرسال.
المسألة الثانية ـ ظنّ أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّ المطلوب منهم طريق من قبلهم من رفض الطعام والشراب والنساء ، وقد قال الله سبحانه (٢) : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٣) ؛ فكانت شريعة من قبلنا بالرهبانية وشريعتنا بالمسحة الحنيفية.
وفي الصحيح أنّ عثمان بن مظعون نهاه النبىّ صلى الله عليه وسلم عن التبتل (٤) ، ولو أذن له لاختصينا.
والذي يوجب في ذلك العلم ، ويقطع العذر ، ويوضّح الأمر ـ أنّ الله سبحانه قال لنبيه (٥) : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ؛ فبيّن النبىّ صلى الله عليه وسلم التبتل بفعله ؛ وشرح أنه امتثال الأمر ، واجتناب النّهى ، وليس بترك المباحات ، وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يأكل اللّحم إذا وجده ، ويلبس الثياب تبتاع بعشرين جملا ، ويكثر من الوطء ، ويصبر إذا عدم ذلك ، ومن رغب عن سنّته لسنة عيسى فليس منه.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية ٢٢٥ ، وسورة المائدة ، آية ٨٩.
(٢) سورة المائدة ، آية ٤٨.
(٣) الشرعة ، والشريعة : الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة والمنهاج : الطريق المستمر. وقيل : شرعة ومنهاجا : سنة وسبيلا. ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها ، والإنجيل لأهله ، والقرآن لأهله (القرطبي : ٦ ـ ٢١١).
(٤) التبتل : الانقطاع عن النساء ، وترك النكاح.
(٥) سورة المزمل ، آية ٨