إذ قد بيناه بالطول في كتب الحديث ، وخصوصا في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) ، وهي :
الآية الموفية عشرين (١) ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
فيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ أن جماعة من أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم منهم علىّ ، والمقداد ، وعبد الله ابن عمر ، وعثمان بن مظعون ، وابن مسعود ، وسالم مولى أبى حذيفة ، جلسوا في البيوت ، وأرادوا أن يفعلوا كفعل النصارى من تحريم طيبات الطعام واللباس واعتزال النساء ، وهمّ بعضهم أن يجبّ (٢) نفسه ، وإنّ عثمان بن مظعون كان ممن حرّم النساء والزينة على نفسه ، وأرادوا أن يترهّبوا ، ولا يأكلوا لحما ولا ودكا (٣) ؛ وقالوا : نقطع مذاكيرنا ، ونسيح في الأرض ، كما فعل الرّهبان.
فلما بلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم نهاهم عنه ، وأعلمهم أنه ينكح النساء ، ويأكل من الأطعمة ، وينام ويقوم ، ويفطر ويصوم ، وأنه من رغب عن سنّتى فليس منى ، وقال لهم : إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، فشدّدوا على أنفسهم ، فشدّد الله عليهم. أولئك بقاياهم في الدّيار والصوامع ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، وحجّوا واعتمروا ، واستقيموا يستقم لكم.
وإن هذه الآية نزلت فيهم (٤) ، روى ذلك عن ابن عباس وغيره.
الثاني ـ روى أنّ عبد الله بن رواحة ضافه ضيف ، فانقلب ابن رواحة ولم يتعش. فقال لزوجته : ما عشيّتيه؟ فقالت : كان الطعام قليلا ، فانتظرتك أن تأتى. قال :؟؟؟؟ ضيفي
__________________
(١) الآية السابعة والثمانون.
(٢) يجب نفسه : يقطع ذكره.
(٣) الودك : دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
(٤) أسباب النزول : ١١٧ ، والقرطبي : ٦ ـ ٢٦٠