أحوال النفس الواحدة بالنفس الواحدة فليس له تعرّض في ذلك ، ولا سيقت الآية له ، وإنما تحمل الألفاظ على المقاصد.
جواب آخر ـ وذلك أنّ هذا عموم يدخله التخصيص بما روى أبو داود والترمذي والنسائي ، وبعضهم أوعب من بعض ؛ عن علىّ ، وقد سئل : هل خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال : لا ، إلّا ما في هذا ، وأخرج كتابا من قراب سيفه ، وإذا فيه : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده.
جواب ثالث ـ وذلك أنّ الله سبحانه قال في سورة البقرة (١) : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ). وقال (٢) : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) ؛ فاقتضى لفظ القصاص المساواة ، ولا مساواة بين مسلم وكافر (٣) ؛ لأنّ نقص الكفر المبيح للدم موجود به (٤) ، فلا تستوي نفس مبيحها معها مع نفس قد تطهّرت عن المبيحات ، واعتصمت بالإيمان الذي هو أعلى العصم.
وقد ذكر بعض علمائنا في ذلك نكتة حسنة ، قال : إنّ الله تعالى قال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، فأخبر أنه فرض عليهم في ملّتهم أنّ كلّ نفس منهم تعادل (٥) نفسا ؛ فإذا التزمنا نحن ذلك في ملّتنا على أحد القولين ـ وهو الصحيح ـ كان معناه أنّ في ملّتنا نحن أيضا أن كلّ نفس منا تقابل نفسا ، فأما مقابلة كلّ نفس منّا بنفس منهم فليس من مقتضى الآية ، ولا من مواردها.
المسألة الثالثة ـ قال أبو حنيفة وغيره : قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يوجب قتل الحرّ بالعبد خاصة.
وقال غيره : يوجب ذلك أخذ نفسه بنفسه ، وأخذ أطرافه بأطرافه ، لقوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ). وقد تقدم الجواب عن ذلك في المسألة قبلها. ونخص هذا مع أبي حنيفة أنهما شخصان لا يجرى بينهما القصاص في الأطراف مع السلامة في الخلقة فلا يجرى بينهما في الأنفس ، ويقال للآخرين : إنّ نقص الرقّ الباقي في العبد من آثار الكفر يمنع
__________________
(١) سورة البقرة ، آية ١٧٩.
(٢) سورة البقرة آية ١٧٨.
(٣) في ل : بين المسلم والكافر.
(٤) في ل : فيه.
(٥) في ل : تقابل.