لأنه ظاهر الآيات ، وهو اختيار ابن عباس ، وجابر بن زيد ، وابن أبى زائدة ، وابن شبرمة(١).
قال طاوس وغيره : ليس بكفر ينقل عن الملّة ، ولكنه كفر دون كفر. وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله ، فهو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فيها اثنتان وعشرون مسألة :
المسألة الأولى ـ قال ابن جريج : لما رأت قريظة النبىّ صلى الله عليه وسلم قد حكم بالرجم وكانوا يخفونه في كتابهم ، قالوا : يا محمد ، اقض بيننا وبين إخواننا بنى النّضير ، وكان بينهم دم ، وكانت النّضير تتعزّز على قريظة في دمائها ودياتها (٣) كما تقدم. وقالوا لا نطيعك في الرّجم ، ولكنا نأخذ بحدودنا التي كنّا عليها ، فنزلت : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، ونزلت (٤) : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
قال ابن عباس : المعنى : فيما بالهم يخالفون فيقتلون النفسين بالنفس ويفقئون العينين بالعين ؛ وكانت بنو إسرائيل عندهم القصاص خاصّة ، فشرّف الله هذه الأمّة بالدّية.
المسألة الثانية ـ تعلّق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية ، فقال : يقتل المسلم بالذمىّ ؛ لأنه نفس بنفس.
قالت له الشافعية : هذا خبر عن شرع من قبلنا وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا.
وقلنا نحن له : هذه الآية ، إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل وأخذهم من قبيلة رجلا برجل ، ونفسا بنفس ، وأخذهم من قبيلة أخرى نفسين بنفس ، فأما اعتبار
__________________
(١) في القرطبي : والشعبي أيضا.
(٢) الآية الخامسة والأربعون.
(٣) أحكام الجصاص : ٤ ـ ٨٨.
(٤) سورة المائدة ، آية ٥٠