المسألة الثامنة ـ في المختار :
أما قول الشافعى فلا يصحّ ؛ فإن اليهود جاءوا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم باختيارهم ، وسألوه عن أمرهم ، ففي هذا يكون النظر. وقد قال الله سبحانه وتعالى ، مخبرا عن الحقيقة فيه : (١) (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، وأخبر أنهم جاءوا من قبل أنفسهم ، فقال : (فَإِنْ جاؤُكَ). ثم خيّره فقال : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، ثم قال له : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ، وهي :
المسألة التاسعة ـ والقسط هو العدل ، وذلك حكم الإسلام ، وحكم الإسلام شهود منّا عدول ؛ إذ ليس في الكفار عدل ، كما تقدم.
وإنما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم إقامة الحجة عليهم وفضيحة اليهود حسبما شرحنا ؛ وذلك بيّن من سياق الآية والحديث.
ولو نظر إلى الحكم بدين الإسلام لما أرسل إلى ابن صوريا ، ولكنه اجتمعت للنبىّ صلى الله عليه وسلم الوجوه فيه من قبول التحكيم وإنفاذه عليهم بحكم التوراة ، وهي الحق حتى ينسخ ، وبشهادة اليهود ، وذلك دين قبل أن يرفع بالعدول منا.
المسألة العاشرة ـ قوله تعالى (٢) : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) :
قال أبو هريرة وغيره : ومحمد (٣) منهم ؛ يحكمون بما فيها من الحقّ ، وكذلك قال الحسن ، وهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ ومطلقه في قوله : (النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) ، آخرهم عبد الله بن سلام.
المسألة الحادية عشرة ـ قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).
اختلف فيه المفسرون ؛ فمنهم من قال : الكافرون والظالمون والفاسفون كلّه لليهود ، ومنهم من قال : الكافرون (٤) للمشركين ، والظالمون لليهود ، والفاسقون للنصارى ، وبه أقول ؛
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ٤٣
(٢) سورة المائدة ، آية ٤٤.
(٣) في القرطبي (٦ ـ ١٨٨) : قيل المراد بالنبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، وعبر عنه بلفظ الجمع. وقيل : كل من بعث من بعد موسى بإقامة التوراة.
(٤) في القرطبي (٥ ـ ١٩) : وقيل «الكافرون» للمسلمين ... نقلا عن ابن العربي. وفي أحكام الجصاص (٤ ـ ٩٣) : الأولى للمسلمين ، والثانية لليهود ، والثالثة للنصارى.