فأمر الشرع بنصب الوالي ليحسم قاعدة الهرج ، وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم في مشقّة الترافع ، لتمّ المصلحتان ، وتحصل الفائدتان.
والشافعى ومن سواه لا يلحظون الشريعة بعين مالك رحمه الله ، ولا يلتفتون إلى المصالح ، ولا يعتبرون المقاصد ، وإنما يلحظون الظّواهر وما يستنبطون منها ، وقد بيّنا ذلك في أصول الفقه والقبس في شرح موطّأ مالك بن أنس.
ولم أرو في التحكيم حديثا حضرني ذكره الآن إلّا ما أخبرنى به القاضي العراقي ، أخبرنا الجونى ، أخبرنا النيسابوري ، أخبرنا النسائي ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يزيد ـ يعنى ابن المقدام بن شريح ، عن أبيه شريح ، عن أبيه هانئ ، قال : لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم وهم يكنونه أبا الحكم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم ، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال : إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتونى فحكمت بينهم ، فرضي كلا الفريقين.
فقال : ما أحسن هذا؟ فما لك من الولد؟ قال : لي شريح ، وعبد الله ، ومسلم. قال : فمن أكبرهم؟ قال : شريح. قال : فأنت أبو شريح ، ودعا له ولولده.
المسألة السابعة ـ كيف أنفذ النبىّ صلى الله عليه وسلم الحكم بينهم؟
اختلف في ذلك جواب العلماء على ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه حكم بينهم بحكم الإسلام ، وأن أهل الكتاب من زنى منهم وقد تزوّج عليه الرّجم ، فيحكم عليهم به الإمام ، ولا يشترط الإسلام في الإحصان ؛ قاله الشافعى.
الثاني ـ حكم النبىّ عليه السّلام عليهم بشريعة موسى عليه السّلام وشهادة اليهود ، إذ شرع من قبلنا شرع لنا ، فيلزم العمل بها حتى يقوم الدليل على تركها. وقد بيّنا ذلك في أصول الفقه ، وفيما تقدّم من قولنا ، وإنه الصحيح من المذهب الحقّ في الدليل حسبما تقدم ؛ قاله عيسى عن ابن القاسم.
الثالث ـ إنما حكم النبىّ صلى الله عليه وسلم بينهم ؛ لأنّ الحدود لم تكن نزلت ، ولا يحكم الحاكم اليوم بحكم التوراة ؛ قاله في كتاب محمد.